أن لا يصْدُرَ إلاّ عنّي وأن أكون قائله، وهو على هذا استعارة بالكناية : شُبه قول الحق بالعقلاء الذين يختارون مواردهم ومصادرهم.
ورُمز إلى المشبه به بما هو من رَوادفه، وهو كون ما يناسبه متعيناً عليه.
ومنها ما قيل : ضمن ﴿ حقيق ﴾ معنى حريص فعُدّي بعلى إشارة إلى ذلك التضمين وأحسن من هذا أن يضمن ﴿ حقيق ﴾ معنى مكين وتكون ( على ) استعارة للاستعلاء المجازي.
وجملة ﴿ قد جئتمكم ببينة ﴾ مستأنفة استئنافاً بيانياً، لأن مقام الإنكار مما يثير سؤال سائل أن يقول هذه دعوى غريبة تحتاج إلى بينة.
والبينة : الحجة.
وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى :﴿ قل إني على بينة من ربي ﴾ في سورة [ الأنعام : ٥٧ ].
والحجة هنا يجوز أن يكون المراد بها البراهين العقلية على صدق ما جاء به موسى من التوحيد والهُدى، ويجوز أن تكون المعجزة الدالةَ على صدق الرسول.
فعلى الوجه الأول تكون الباء في قوله :﴿ ببينة ﴾ لتعدية فعل المجيء، وعلى الوجه الثاني تكون الباء للملابسة، والمراد بالملابسة ملابسة التمكن من إظهار المعجزة التي أظهرها الله له كما في سورة [ طه : ١٧ ] ﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾ ويحتمل المعنى الأعم الشامل للنوعين على ما يحتمله كلام موسى المترجم عنه هنا.
والفاء في قوله فأرْسلْ } لتفريع طلب تسريح بني إسرائيل على تحقق الرسالة عن رب العالمين، والاستعداد لإظهار البينة على ذلك، وقد بنى موسى كلامه على ما يثق به من صدق دعوته مع الاستعداد للتبيين على ذلك الصدق بالبراهين أو المعجزة إن طلبها فرعون لأن شأن الرسل أن لا يبتدئوا بإظهار المعجزات صوناً لمقام الرسالة عن تعريضه للتكذيب، كما بيناه عند قوله تعالى :﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليُؤمنن بها ﴾ الآيات في سورة [ الأنعام : ١٠٩ ].


الصفحة التالية
Icon