وقال الفرَّاءُ : العرب تقول : رَمَيْتُ على القوس وبالقوس وجئتُ على حالٍ حسنة وبحال حسنة، وتؤيده قراءة أبيّ والأعمش " حقيق بأن لا أقول " إلاَّ أنَّ الأخفش قال :" وليس ذلك بالمطَّرد لو قلت :" ذهبتُ على زيْدٍ " تريد :" بزيدٍ " لم يجز "، وأيضاً فلأن مذهب البصريِّين عدم التجوُّزِ في الحُرُوفِ.
الخامس :- وهو الأوجه والأدخل في نكت القرآن - أن يغرق موسى - عليه الصلاة والسلام - [ في وصف نفسه ] بالصِّدْق في ذلك المقام لا سيما وقد رُوِيَ أنَّ فرعون - لعنه الله - لمَّا قال موسى : إنِّي رسول من رب العالمين قال له : كذبت فيقول : أنا حقيقٌ على قول الحقِّ أي : واجب عليَّ قول الحقِّ أن أكون أنا قائله والقائم به، ولا يَرْضى إلاَّ بمثلي ناطقاً به.
قال أبُو حيَّان : ولا يصحُّ هذا الوجه إلاَّ إن عنى أنه يكون " أن لا أقُول " صفة له كما تقول : أنَا على قول الحقِّ أي : طريقتي وعادتي قول الحقّ.
السادس : أن تكون " على " متعلقة بـ " رَسُول ".
قال ابن مقسم : حقيقٌ من نعت " رَسُول " أي رسول حقيق من ربِّ العالمين أرْسِلْتُ على ألاَّ أقولَ على الله إلا الحقَّ، وهذا معنى صحيح واضحٌ، وقد غفل أكثرُ المفسرين من أرباب اللُّغَة عن تعليق " على " بـ " رسول "، ولم يخطر لهم تعليقه إلاَّ بـ " حقيق ".
قال أبُو حيَّان : وكلامه فيه تَنَاقضٌ في الظَّاهِرِ ؛ لأنَّهُ قدَّر أولاً العامل في " عَلَى " " أرسلت " وقال أخيراً :" لأنهم غفلوا عن تَعْليق " على " بـ " رسول "، فأمَّا هذا الأخير فلا يجوزُ عند البصريين ؛ لأنَّ رسولً قد وُصِف قبل أن يأخذ معموله، وذلك لا يَجُوزُ، وأمَّا تعليقه بـ " أرسلت " مقدَّراً لدلالةِ لفظ " رَسُوله " عليه فهو تقديرٌ سائغ.
ويتأوَّل كلامه أنَّه أراد بقوله تُعَلَّقُ " على " بـ " رسول " أنه لمَّا كان دالاًّ عليه صحَّ نسبة التَّعلق له.