وقالوا : وبهذا الطريق دفعنا عن أنفسنا التزام الجهالات التي ذكرناها والمحالات التي شرحناها، واعلم أنهم وإن زعموا أن ذلك غير لازم لهم، إلا أنهم في الحقيقة يلزمهم ذلك لزوماً لا دافع له، وتقريره أن هذه الحوادث التي تحدث في عالمنا هذا إما أن تحدث لا لمؤثر أو لمؤثر، وعلى التقديرين : فالقول الذي ذكرناه لازم أما على القول بأنها تحدث لا عن مؤثر، فهذا القول باطل في صريح العقل، إلا أن مع تجويزه فالإلزام المذكور لازم لأنا إذا جوزنا حدوث الأشياء لا عن مؤثر ولا عن موجد، فكيف يكون الأمان من تجويز حدوث إنسان لا عن الأبوين، ومن تجويز انقلاب الجبل ذهباً والبحر دماً ؟ فإن تجويز حدوث بعض الأشياء لا عن مؤثر ليس أبعد عند العقل من تجويز حدوث سائر الأشياء لا عن مؤثر، فثبت على هذا التقدير أن الإلزام المذكور لازم.
أما على التقدير الثاني وهو إثبات مؤثر ومدبر لهذا العالم فذلك المؤثر إما أن يكون موجباً بالذات وأما أن يكون فاعلاً بالاختيار.
أما على التقدير الأول فالإلزامات المذكورة لازمة، وتقريره : أنه إذا كان مؤثراً ومرجحه موجباً بالذات وجب الجزم بأن اختصاص كل وقت معين بالحادث المعين الذي حدث فيه إنما كان لأجل أنه بحسب اختلاف الأشكال الفلكية تختلف حوادث هذا العالم إذ لو لم يعتبر هذا المعنى لامتنع أن تكون العلة القديمة الدائمة سبباً لحدوث المعلول الحادث المتغير.
وإذا ثبت هذا فنقول : كيف الأمان من أن يحدث في الفلك شكل غريب يقتضي حدوث إنسان دفعة واحدة لا عن الأبوين وانتقال مادة الجبل من الصورة الجبلية إلى الصورة الذهبية أو للصورة الحيوانية ؟ وحينئذ تعود جميع الإلزامات المذكورة.