وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ فألقى عصاه ﴾ الآية،
روي أن موسى عليه السلام قلق به وبمحاورته فرعون فقال لأعوانه خذوه فألقى موسى العصا فصارت ثعباناً وهمت بفرعون فهرب منها، وقال السدي : إنه أحدث وقال يا موسى كفه عني فكفه، وقال نحوه سعيد بن جبير.
و" إذا " ظرف مكان في هذا الموضع عند المبرد من حيث كانت خبراً عن جثة، والصحيح الذي عليه الناس أنها ظرف زمان في كل موضع، ويقال : إن الثعبان وضع أسفل لحييه في الأرض وأعلاها في شرفات القصر، والثعبان الحية الذكر، وهو أهول وأجرأ، قاله الضحاك، وقال قتادة صارت حية أشعر ذكراً، وقال ابن عباس : غرزت ذنبها في الأرض ورفعت صدرها إلى فرعون، وقوله ﴿ مبين ﴾ معناه لا تخييل فيه بل هو بين أنه حقيقة، وهو من أبان بمعنى بان أو من بان بمعنى سلب عن أجزائه، وقوله ﴿ ونزع يده ﴾، معناه من جيبه أو كمه حسب الخلاف في ذلك، وقوله ﴿ فإذا هي بيضاء ﴾ قال مجاهد كاللبن أو أشد بياضاً، وروي أنها كانت تظهر منيرة شفافة كالشمس تأتلق، وكان موسى عليه السلام ذا دم أحمر إلى السواد، ثم كان يرد يده فترجع إلى لون بدنه.
قال القاضي أبو محمد : وهاتان الآيتان عرضهما موسى عليه السلام للمعارضة ودعا إلى الله بهما، وخرق العادة بهما وتحدى الناس إلى الدين بهما، فإذا جعلنا التحدي الدعاء إلى الدين مطلقاً فبهما تحدى، وإذا جعلنا التحدي الدعاء بعد العجز عن معارضة المعجرة وظهور ذلك فتنفرد حينئذ العصا بذلك لأن المعارضة والعجز فيها وقعا.
قال القاضي أبو محمد : ويقال التحدي هو الدعاء إلى الإتيان بمثل المعجزة، فهذا نحو ثالث وعليه يكون تحدي موسى بالآيتين جميعاً لأن الظاهر من أمره أنه عرضهما للنظر معاً وإن كان لم ينص على الدعاء إلى الإتيان بمثلها، وروي عن فرقد السبخي أن فم الحية كان ينفتح أربعين ذراعاً. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾


الصفحة التالية