والآية من أقوى أدلة جواز انقلاب الشيء عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب، إذ لو كان ذلك تخييلاً لبطل الإعجاز، ولم يكن لذكر مبين معنى مبين، وارتكاب غير الظاهر غير ظاهر، ويدل لذلك أيضاً أنه لا مانع في القدرة من توجه الأمر التكويني إلى ما ذكر وتخصيص الإرادة له، والقول بأن قلب الحقائق محالوالقدرة لا تتعلق به فلا يكون النحاس ذهباً رصاص مموه، والحق جواز الانقلاب إما بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس ذهباً على ما هو رأي المحققين، أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصفي الذي صار به نحاساً ويخلقفيه الوصف الذي يصير به ذهباً على ما هو رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات، والمحال إنما هو انقلابه ذهباً مع كونه نحاساً لامتناع كون الشيء في الزمن الواحد نحاساً وذهباً، وعلى أحد هذين الاعتبارين توكأ أئمة التفسير في أمر العصا.
﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ ﴾ أي أخرجها من جيبه لقوله تعالى :﴿ ادخل يَدَكَ فِى جَيْبِكَ ﴾ [ النمل : ١٢ ] أو من تحت أبطه لقوله سبحانه :﴿ واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ ﴾ [ طه : ٢٢ ] والجمع بينهما ممكن في زمان واحد، وكانت اليد اليمنى كما صرح به في بعض الآثار ﴿ فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء للناظرين ﴾ أي بيضاء بياضاً نورانياً خارجاً عن العادة يجتمع عليه النظار.
فقد روى أنه أضاء له ما بين السماء السماء والأرض، وجاء في رواية أنه أرى فرعون يده، وقال عليه السلام : ما هذه؟ فقال : يدك.