ومرّة يقول عن العصا :﴿ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ﴾.
ويقول المشككون في كلام الله من المستشرقين : كيف يقول مرة إنها ثعبان مبين. ثم مرة أخرى يقول :﴿ فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى ﴾، ومرة ثالثة يقول :﴿ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ﴾. ونقول : إن هناك فارقاً بين مختلفات تتناقض، ومختلفات تتكامل، فهي ثعبان مرة، وهي حية مرة ثانية، وهي جان ؛ لأن الثعبان هو الطويل الخفيف الحركة، والحية هي الكتلة المخيفة بشكلها وهي متجمعة، والجان هو الحية المرعبة الشكل. فكأنها تمثلت في كل مرة بمثال يرعب من يراه، وكل مرة لها شكل ؛ فهي مرة ثعبان، ومرة حية، وثالثة جان، أو تكون ثعباناً عند من يخيفه الثعبان، وتكون حية عند من تخيفه الحية، وتكون جاناً عند من يخيفه الجان، ولذلك تجد أن إشاعة الإِبهام هو عين البيان للمبهم.
ومثال ذلك إبهام الحق لأمر الموت، فلا يحكمه سن، ولا يحكمه سبب، ولا يحكمه زمان، وفي هذا إبهام لزمانه وإبهام لسببه مما يجعله بياناً شائعاً تستقبله بأي سبب في أي زمان أو في أي مكان، وهكذا يأتي الإِبهام هنا لكي يعطينا الصور المتكاملة، وقال بعض المستشرقين : إن المسلمين يستقبلون القرآن بالرهبة وبالانبهار. ولا يحركون عقولهم لكي يروا المتناقضات فيه، لكن غير المسلم إن قرأ القرآن يتبين فيه أشياء مختلفة كثيرة، قالوا بالنص :" أنتم تعلمون بقضايا اللغة أن التشبيه إنما يأتي لتُلْحِق مجهولاً بمعلوم "، فيقال : أنت تعرف فلاناً، فتقول : لا والله لا أعرفه. فيقول لك : هو شكل فلان ؛ في الطول، وفي العرض، وفي الشكل، إذن فقد ألحق مجهولاً بمعلوم ليُوضحه. فكيف يلحق القرآن مجهولاً بمجهول، إن هذا لا يعطي صورة مثلما تكلم القرآن عن شجرة الزقوم فقال :﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين ﴾ [ الصافات : ٦٤-٦٥ ]


الصفحة التالية
Icon