ولما كان المقصود بهذا الكلام استعطاف المخاطبين، استعطفوهم بعد أن أوقفوهم، ثم خوفوهم بما سببوا عن الخطاب السابق من قولهم :﴿فماذا تأمرون﴾ أي تقولون في هذه المشورة أيها السادة ليمتثل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٨٠ ـ ٨١﴾
فصل
قال الفخر :
ولما ذكر الله تعالى أن موسى عليه السلام أظهر هذين النوعين من المعجزات.
حكى عن قوم فرعون أنهم قالوا :﴿إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ﴾ وذلك لأن السحر كان غالباً في ذلك الزمان، ولا شك أن مراتب السحرة كانت متفاضلة متفاوتة، ولا شك أنه يحصل فيهم من يكون غاية في ذلك العلم ونهاية فيه فالقوم زعموا أن موسى عليه السلام لكونه في النهاية من علم السحر، أتى بتلك الصفة، ثم ذكروا أنه إنما أتى بذلك السحر لكونه طالباً للملك والرياسة.
فإن قيل : قوله :﴿إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ﴾
حكاه الله تعالى في سورة الشعراء أنه قاله فرعون لقومه، وحكى ههنا أن قوم فرعون قالوه، فكيف الجمع بينهما ؟ وجوابه من وجهين : الأول : لا يمتنع أنه قد قاله هو وقالوه هم، فحكى الله تعالى قوله ثم، وقولهم ههنا.
والثاني : لعل فرعون قاله ابتداء فتلقنه الملأ منه فقالوه لغيره أو قالوه عنه لسائر الناس على طريق التبليغ، فإن الملوك إذا رأوا رأياً ذكروه للخاصة وهم يذكرونه للعامة، فكذا ههنا.
وأما قوله :﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ فقد ذكر الزجاج فيه ثلاثة أوجه : الأول : أن كلام الملأ من قوم فرعون تم عند قوله :﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ﴾ ثم عند هذا الكلام قال فرعون مجيباً لهم :﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ واحتجوا على صحة هذا القول بوجهين : أحدهما : أن قوله :﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ خطاب للجمع لا للواحد، فيجب أن يكون هذا كلام فرعون للقوم.
أما لو جعلناه كلام القوم مع فرعون لكانوا قد خاطبوه بخطاب الواحد لا بخطاب الجمع.