قال ابن عباس : ألقوا حبالاً غلاظاً، وخشباً طُوالا، فكانت ميلاً في ميل، فألقى موسى عصاه، فإذا هي أعظم من حبالهم وعصيهم، قد سدت الأفق، ثم فتحت فاها ثمانين ذراعاً، فابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيِّهم، وجعلت تأكل جميع ما قدرت عليه من صخرة أو شجرة، والناس ينظرون، وفرعون يضحك تجلُّداً، فأقبلت الحيَّة نحو فرعون، فصاح : يا موسى، يا موسى، فأخذها موسى، وعرفت السحرة أن هذا من السماء، وليس هذا بسحر، فخرُّوا سُجَّداً، وقالوا : آمنا برب العالمين، فقال فرعون : إياي تعنون، فقالوا : ربَّ موسى وهارون، فأصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء.
وقال وهب بن منبه : لما صارت ثعباناً حملت على الناس فانهزموا منها، فقتل بعضهم بعضاً، فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً.
وقال السدي : لقي موسى أمير السحرة، فقال : أرأيت إن غلبتك غدا، أتؤمن بي؟ فقال الساحر : لآتين غدا بسحر لا يغلبه السحر، فوالله لئن غلبتني لأومننَّ بك.
فإن قيل : كيف جاز أن يأمرهم موسى بالإلقاء، وفعل السحر كفر؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها : أن مضمون أمره : إن كنتم محقين فألقوا.
والثاني : ألقوا على ما يصح، لا على ما يفسد ويستحيل، ذكرهما الماوردي.
والثالث : إنما أمرهم بالإلقاء لتكون معجزته أظهر، لأنهم إذا ألقوا، ألقى عصاه فابتلعت ذلك، ذكره الواحدي.
فإن قيل : كيف قال :﴿ وأُلقي السحرة ساجدين ﴾ وإنما سجدوا باختيارهم؟ فالجواب : أنه لما زالت كل شبهة بما أظهر الله تعالى من أمره، اضطرهم عظيم ما عاينوا إلى مبادرة السجود، فصاروا مفعولين في الإلقاء تصحيحاً وتعظيماً لشأن ما رأوا من الآيات، ذكره ابن الأنباري.
قال ابن عباس : لما آمنت السحرة، اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل.
قوله تعالى :﴿ آمنتم به ﴾ قرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو :"ءآمنتم به" بهمزة ومدة على الاستفهام.