ثم فرع عليه تبليغ الحكم وهو قوله ﴿ فأرسل معي بني إسرائيل ﴾ أي أطلقهم وخل سبيلهم حتى يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم ومولد آبائهم. وذلك أن يوسف عليه السلام لما توفي وانقرضت الأسباط غلب فرعون نسلهم واستعبدهم واستخدمهم في الأعمال الشاقة ﴿ قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين ﴾ فيه سؤالان : أحدهما لفظي وهو أن القائل : إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيداً. وثانيهما : أن قوله ﴿ إن كنت جئت بآية ﴾ وقوله ﴿ فأت بها ﴾ كلاهما واحد في المعنى فكيف يفيد تعليق أحدهما بالآخر؟ وجوابه المنع إذ المراد إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فأحضرها لتصح دعواك. ثم إن فرعون لما طالب موسى عليه السلام بإقامة البينة الدالة على وجود الرب وعلى صحة نبوته قلب العصا ثعباناً وأظهر اليد البيضاء وذلك قوله سبحانه ﴿ فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ﴾ ومعنى كون الثعبان مبيناً أن أمره ظاهر لا يشك في أنه ثعبان ليس مما جاءت به السحرة من التمويهات وإنما هو من قبيل المعجزات. أو المراد أنه أبان قول موسى عن قول المدعي الكاذب والثعبان في اللغة الحية الضخم الذكر. روي أنه كان أشقر فاغراً فاه بين لحييه ثمانون ذراعاً وضع لحيه الأسفل على الأرض ولحيه الأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون ليأخذه فوثب فرعون من سريره وهرب واخذه البطن يومئذ أربعمائة مرة وكان لم ير منه الحدث قبل ذلك. وهرب الناس وصاحوا وحمل على الناس فانهزموا ومات منهم خمسة وعشرون ألفاً، ودخل فرعون البيت وصاحوا يا موسى خذه وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذه موسى فعاد عصاً. والنزع في اللغة القلع والإخراج أن أخرجها من جيبه أو من جناحه بدليل قوله في موضع آخر ﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء ﴾ [ النمل : ١٢ ] روي أنه أرى فرعون يده وقال : ما هذه؟ فقال : يدك. ثم أدخلها في جيبه وعليه مدرعة صوف ثم نزعها فإذا هي