وأما الشبهة فقوله ﴿ إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ﴾ أي هذه حيلة احتلتموها أنتم وموسى أو تواطأتم عليها لغرض لكم وهو أن تخرجوا القبط وتسكنوا بني إسرائيل. وروي محمد بن جرير عن السدي في حديث عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أن موسى وأمير السحرة التقيا فقال له موسى : أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي وتشهد أن ما جئت به حق؟ فقال الساحر : لآتين غداً بحسر لا يغلبه سحر وإن غلبتني لأومنن بك، وفرعون ينظر إليهما ويسمع فلذلك زعم التواطؤ ﴿ فسوف تعلمون ﴾ وعيد إجمالي وتفصيله ﴿ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ﴾ أي كل من شق طرفاً ﴿ ثم لأصلبنكم أجمعين ﴾ واختلف المفسرون هل وقع ذلك منه أم لا. فمن قائل إنه لم يقع لأنهم سألوا ربهم أن يتوفاهم من جهته لا بهذا القتل والقطع، ومن قائل وقع وهو الأظهر وعليه الأكثر ومنهم ابن عباس لأنه حكى عن الملأ أنهم قالوا لفرعون ﴿ أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ﴾ [ الأعراف : ١٢٧ ] ولو أنه ترك أولئك السحرة لذكورهم أيضاً وحذروه إياهم، لأنهم قالوا ﴿ ربنا أفرغ علينا صبراً ﴾ والصبر لا يطلب إلا عند نزول البلاء وقد يجاب عن الأول بأنهم داخلون تحت قوله ﴿ وقومه ﴾ وعن الثاني بأنهم طلبوا الصبر على الإيمان والثبات عليه وعدم الالتفات إلى وعيده. وعن قتادة : كانوا أوّل النهار كفاراً سحرة وفي آخره شهداء بررة، ثم حكى عن القوم أنهم قالوا عند الوعيد ﴿ إنا إلى ربنا منقلبون ﴾ أي نحن لا نبالي بالموت لأنا ننقلب إلى لقاء ربنا ونخلص منك، أو ننقلب إلى الله يوم الجزاء فيثيبنا على شدائد القطع والصلب أو إنا جميعاً يعنون أنفسهم وفرعون يرجع إلى الله فيحكم بيننا، أو إنا لا محالة ميتون فما تقدر أن تفعل بنا إلا ما لا بد لنا منه ﴿ وما تنقم منا ﴾ قال ابن عباس : ما أتينا بذنب تعذبنا عليه وما تعب منا ﴿ إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ﴾ وهي المعجزات الظاهرة التي لا