يقدر على مثلها إلا الله تعالى وهذا من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم كقوله :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم... بهن فلول من قراع الكتائب
ثم لما لجأوا إلى الدعاء كما هو دأب الصديقين عند نزول البلاء فقالوا ﴿ ربنا أفرغ علينا صبراً ﴾ أفض علينا سجال الثبات على متابعة الدين أو على ما توعدونا به فرعون ﴿ وتوفنا مسلمين ﴾ ثابتين على الدين الذي جاء به موسى وأخبروا عن إيمانهم أوّلاً وسألوا التوفي على الإسلام ثانياً.
فيمكن أن يستدل بالآية على أن الإيمان والإسلام واحد، واحتجت الأشاعرة بالآية على أن الإيمان والإسلام بخلق الله تعالى وإلا لم يطلبوا ذلك منه، والمعتزلة يحملون أمثال ذلك على منح الألطاف. واعلم أن مبني القصة في هذه السورة على الاختصار وفي الشعراء على التطويل فلهذا قيل هناك ﴿ يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره ﴾، ﴿ وإنكم إذا لمن المقربين ﴾، ﴿ قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون ﴾، ﴿ فسوف تعلمون ﴾ وفي كل ذلك زيادة وأما قوله ههنا ﴿ وأرسل في المدائن ﴾ وهناك ﴿ وابعث ﴾ فلأن الإرسال يفيد معنى البعث مع العلو فخص هذه السورة بذلك ليعلم أنّ المخاطب به فرعون دون غيره. وإنما قال ههنا ﴿ آمنتم به ﴾ وفي طه والشعراء ﴿ آمنتم له ﴾ باللام لأن ضمير ﴿ به ﴾ في هذه يعود إلى رب العالمين، وفي السورتين إلى موسى، وقيل آمنت به وآمنت له واحد. وقال ههنا ﴿ ثم لأصلبنكم ﴾ وفي السورتين ﴿ لأصلبنكم ﴾ لأنه لما أفاد الترتيب كان العطف المطلق كافياً وكثر من متشابهات هذه السور الثلاث يعود إلى رعاية الفواصل فتنبه. أ هـ ﴿غرائب القرآن حـ ٣ صـ ٢٩٥ ـ ٣٠٢﴾