﴿ وَنزعَ يَدَهُ ﴾ من جيبه ﴿ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ من غير سوء، فهاتان آيتان كبيرتان دالتان على صحة ما جاء به موسى وصدقه، وأنه رسول رب العالمين، ولكن الذين لا يؤمنون لو جاءتهم كل آية لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم.
فلهذا ﴿ قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ﴾ حين بهرهم ما رأوا من الآيات، ولم يؤمنوا، وطلبوا لها التأويلات الفاسدة: ﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ أي: ماهر في سحره.
ثم خوفوا ضعفاء الأحلام وسفهاء العقول، بأنه ﴿ يُرِيدُ ﴾ موسى بفعله هذا ﴿ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ﴾ أي: يريد أن يجليكم عن أوطانكم ﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ أي: إنهم تشاوروا فيما بينهم ما يفعلون بموسى، وما يندفع به ضرره بزعمهم عنهم، فإن ما جاء به إن لم يقابل بما يبطله ويدحضه، وإلا دخل في عقول أكثر الناس.
فحينئذ انعقد رأيهم إلى أن قالوا لفرعون: ﴿ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ﴾ أي: احبسهما وأمهلهما، وابعث في المدائن أناسا يحشرون أهل المملكة ويأتون بكل سحار عليم، أي: يجيئون بالسحرة المهرة، ليقابلوا ما جاء به موسى، فقالوا: يا موسى اجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى.
﴿ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ﴾.
وقال هنا: ﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ ﴾ طالبين منه الجزاء إن غلبوا فـ ﴿ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾ ؟
فـ ﴿ قَالَ ﴾ فرعون: ﴿ نَعَمْ ﴾ لكم أجر ﴿ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ فوعدهم الأجر والتقريب، وعلو المنزلة عنده، ليجتهدوا ويبذلوا وسعهم وطاقتهم في مغالبة موسى.


الصفحة التالية
Icon