إنهم مفسدون لأنهم " ظلموا " - أي " كفروا وجحدوا ".. ذلك أن الكفر هو أشنع الفساد. وأشنع الإفساد.. إن الحياة لا تستقيم ولا تصلح إلا على أساس الإيمان بالله الواحد، والعبودية لإله واحد.. وإن الأرض لتفسد حين لا تتمحض العبودية لله في حياة الناس.. إن العبودية لله وحده معناها أن يكون للناس سيد واحد، يتوجهون إليه بالعبادة وبالعبودية كذلك، ويخضعون لشريعته وحدها فتخلص حياتهم من الخضوع لأهواء البشر المتقلبة، وشهوات البشر الصغيرة!.. إن الفساد يصيب تصورات الناس كما يصيب حياتهم الاجتماعية حين يكون هناك أرباب متفرقون يتحكمون في رقاب العباد - من دون الله - وما صلحت الأرض ب
قط ولا استقامت حياة الناس إلا أيام أن كانت عبوديتهم لله وحده - عقيدة وعبادة وشريعة - وما تحرر " الإنسان " قط إلا في ظلال الربوبية الواحدة.. ومن ثم يقول الله سبحانه عن فرعون وملئه :
﴿ فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ﴾..
وكل طاغوت يُخضع العباد لشريعة من عنده، وينبذ شريعة الله، هو من ﴿ المفسدين ﴾ الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون!
وافتتاح القصة على ذلك النحو هو طريقة من طرق العرض القرآنية للقصص. وهذه الطريقة هي المناسبة هنا لسياق السورة، وللمحور الذي تدور حوله. لأنها تعجل بالعاقبة منذ اللحظة الأولى - تحقيقاً للهدف من سياقتها - ثم تأخذ في التفصيل بعد الإجمال، فنرى كيف سارت الأحداث إلى نهايتها.
فما الذي كان بين موسى وفرعون وملئه؟
هنا يبدأ المشهد الأول بينهما :
{ وقال موسى : يا فرعون إني رسول من رب العالمين. حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق.


الصفحة التالية
Icon