لقد جاء موسى - عليه السلام - بهذه الحقيقة التي جاء بها كل رسول قبله. حقيقة ربوبية الله الواحد للعالمين جميعاً.. ألوهية واحدة وعبودية شاملة.. لا كما يقول الخابطون في الظلام من " علماء الأديان " ومن يتبعهم في زعمهم عن " تطور العقيدة " إطلاقاً، وبدون استثناء لما جاء به الرسل من ربهم أجمعين!.. إن العقيدة التي جاء بها الرسل جميعاً عقيدة واحدة ثابتة ؛ تقرر ألوهية واحدة للعوالم جميعها. ولا تتطور من الآلهة المتعددة، إلى التثنية، إلى الوحدانية في نهاية المطاف.. فأما جاهليات البشر - حين ينحرفون عن العقيدة الربانية - فلا حد لتخبطها بين الطواطم والأرواح والآلهة المتعددة والعبادات الشمسية والتثنية والتوحيد المشوب برواسب الوثنية.. وسائر أنواع العقائد الجاهلية.. ولا يجوز الخلط بين العقائد السماوية التي جاءت كلها بالتوحيد الصحيح، الذي يقرر إلهاً واحداً للعالمين ؛ وتلك التخبطات المنحرفة عن دين الله الصحيح.
ولقد واجه موسى - عليه السلام - فرعون وملأه بهذه الحقيقة الواحدة، التي واجه بها كل نبي - قبله أو بعده - عقائد الجاهلية الفاسدة.. واجهه بها وهو يعلم أنها تعني الثورة على فرعون وملئه ودولته ونظام حكمه.. إن ربوبية الله للعالمين تعني - أول ما تعني - إبطال شرعية كل حكم يزاول السلطان على الناس بغير شريعة الله وأمره ؛ وتنحية كل طاغوت عن تعبيد الناس له - من دون الله - بإخضاعهم لشرعه هو وأمره.. واجهه بهذه الحقيقة الهائلة بوصفه رسولاً من رب العالمين.. ملزماً ومأخوذاً بقول الحق على ربه الذي أرسله.
﴿ حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق ﴾..
فما كان الرسول الذي يعلم حقيقة الله، ليقول عليه إلا الحق، وهو يعلم قدره ؛ ويجد حقيقته - سبحانه - في نفسه.
﴿ قد جئتكم ببينة من ربكم ﴾..
تدلكم على صدق قولي : إني رسول من رب العالمين.