ولقد أكد لهم فرعون أنهم مأجورون على حرفتهم، ووعدهم مع الأجر القربى منه، زيادة في الإغراء، وتشجيعاً على بذل غاية الجهد.. وهو وهم لا يعلمون أن الموقف ليس موقف الاحتراف والبراعة والتضليل ؛ إنما هو موقف المعجزة والرسالة والاتصال بالقوة القاهرة، التي لا يقف لها الساحرون ولا المتجبرون!
ولقد اطمأن السحرة على الأجر، واشرأبت أعناقهم إلى القربى من فرعون، واستعدوا للحلبة.. ثم ها هم أولاء يتوجهون إلى موسى - عليه السلام - بالتحدي.
. ثم يكون من أمرهم ما قسم الله لهم من الخير الذي لم يكونوا يحتسبون، ومن الأجر الذي لم يكونوا يتوقعون :
﴿ قالوا : يا موسى، إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين.. قال : ألقوا ﴾..
ويبدو التحدي واضحاً في تخييرهم لموسى. وتبدو كذلك ثقتهم بسحرهم وقدرتهم على الغلبة.. وفي الجانب الآخر تتجلى ثقة موسى - عليه السلام - واستهانته بالتحدي :﴿ قال ألقوا ﴾.. فهذه الكلمة الواحدة تبدو فيها قلة المبالاة، وتلقي ظل الثقة الكامنة وراءها في نفس موسى. على طريقة القرآن الكريم في إلقاء الظلال، بالكلمة المفردة في كثير من الأحايين.
ولكن السياق يفاجئنا بما فوجئ به موسى - عليه السلام - وبينما نحن في ظلال الاستهانة وعدم المبالاة، إذا بنا أمام مظهر السحر البارع، الذي يرهب ويخيف :
﴿ فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم، وجاءوا بسحر عظيم ﴾..
وحسبنا أن يقرر القرآن أنه سحر عظيم، لندرك أي سحر كان. وحسبنا أن نعلم أنهم سحروا ﴿ أعين الناس ﴾ وأثاروا الرهبة في قلوبهم :﴿ واسترهبوهم ﴾ لنتصور أي سحر كان. ولفظ " استرهب " ذاته لفظ مصور. فهم استجاشوا إحساس الرهبة في الناس وقسروهم عليه قسراً. ثم حسبنا أن نعلم من النص القرآني الآخر في سورة طه، أن موسى عليه السلام قد أوجس في نفسه خيفة لنتصور حقيقة ما كان!