﴿ قالوا : إنا إلى ربنا منقلبون ﴾..
والذي يدرك طبيعة المعركة بينه وبين الطاغوت.. وأنها معركة العقيدة في الصميم.. لا يداهن ولا يناور.. ولا يرجو الصفح والعفو من عدو لن يقبل منه إلا ترك العقيدة، لأنه إنما يحاربه ويطارده على العقيدة :
﴿ وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ﴾..
والذي يعرف أين يتجه في المعركة، وإلى من يتجه ؛ لا يطلب من خصمه السلامة والعافية، إنما يطلب من ربه الصبر على الفتنة والوفاة على الإسلام :
﴿ ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين ﴾..
ويقف الطغيان عاجزاً أمام الإيمان، وأمام الوعي، وأمام الاطمئنان.. يقف الطغيان عاجزاً أمام القلوب التي خيل إليه أنه يملك الولاية عليها كما يملك الولاية على الرقاب! ويملك التصرف فيها كما يملك التصرف في الأجسام. فإذا هي مستعصية عليه، لأنها من أمر الله، لا يملك أمرها إلا الله.. وماذا يملك الطغيان إذا رغبت القلوب في جوار الله؟ وماذا يملك الجبروت إذا اعتصمت القلوب بالله؟ وماذا يملك السلطان إذا رغبت القلوب عما يملك السلطان!
إنه موقف من المواقف الحاسمة في تاريخ البشرية. هذا الذي كان بين فرعون وملئه، والمؤمنين من السحرة.. السابقين..
إنه موقف حاسم في تاريخ البشرية. بانتصار العقيدة على الحياة. وانتصار العزيمة على الألم. وانتصار " الإنسان " على " الشيطان "!
إنه موقف حاسم في تاريخ البشرية. بإعلان ميلاد الحرية الحقيقية. فما الحرية إلا الاستعلاء بالعقيدة على جبروت المتجبرين وطغيان الطغاة. والاستهانة بالقوة المادية التي تملك أن تتسلط على الأجسام والرقاب وتعجز عن استذلال القلوب والأرواح. ومتى عجزت القوة المادية عن استذلال القلوب فقد ولدت الحرية الحقيقية في هذه القلوب.