ولما استتب له ما أراد من دقيق المكر، شرع في تهديدهم بما يمنع غيرهم وربما ردهم، فقال مسبباً عن ذلك :﴿فسوف تعلمون﴾ أي بوعد لا خلف فيه ما أفعل بكم من عذاب لا يحتمل، ثم فسر ما أجمل من هذا الوعيد بقوله :﴿لأقطعن أيديكم﴾ أي اليمنى مثلاً ﴿وأرجلكم﴾ أي اليسرى، ولذلك فسره بقوله :﴿من خلاف﴾ أي يخالف الطرف - الذي تقطع منه اليد - الطرف الذي تقطع منه الرجل.
ولما كان مقصود هذه السورة الإنذار، فذكر فيها ما وقع لموسى عليه السلام والسحرة على وجه يهول ذكر ما كان من أمر فرعون على وجه يقرب من ذلك، فعبر بحرف التراخي لأن فيه - مع الإطناب الذييكون شاغلاً لأصحابه عما أدهشهم مما رأوه - تعظيماً لأمر الصلب.
فيكون أرهب للسحرة ولمن تزلزل بهم من قومه فقال :﴿ثم لأصلبنكم﴾ أي أعلقنكم ممدودة أيديكم لتصيروا على هيئة الصليب، أو حتى يتقاطر صليبكم وهو الدهن الذي فيكم ﴿أجمعين﴾ أي لا أترك منكم أحداً لأجعلكم نكالاً لغيركم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٨٤ ـ ٨٥﴾

فصل


قال الفخر :
﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ عاصم في رواية حفص ﴿أَمِنتُمْ﴾ بهمزة واحدة على لفظ الخبر وكذلك في طه والشعراء وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي ﴿أَأَمِنتُمْ﴾ بهمزتين في جميع القرآن وقرأ الباقون بهمزة واحدة ممدودة في جميع على الاستفهام.
قال الفراء : أما قراءة حفص ﴿أَمِنتُمْ﴾ بلفظ الخبر من غير مد، فالوجه فيها أنه يخبرهم بإيمانهم على وجه التقريع لهم والإنكار عليهم، وأما القراءة بالهمزتين فأصله ﴿أَأَمِنتُمْ﴾ على وزن أفعلتم.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon