أما قوله :﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ لا شبهة في أنه ابتداء وعيد، ثم إنه لم يقتصر على هذا الوعيد المجمل، بل فسره فقال :﴿لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لاَصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وقطع اليد والرجل من خلاف معروف المعنى، وهو أن يقطعهما من جهتين مختلفتين، أما من اليد اليمنى والرجل اليسرى، أو من اليد اليسرى والرجل اليمنى، وأما الصلب فمعروف فتوعدهم بهذين الأمرين العظيمين، واختلفوا في أنه هل وقع ذلك منه ؟ وليس في الآية ما يدل على أحد الأمرين.
واحتج بعضهم على وقوعه بوجوه :
الأول : أنه تعالى حكى عن الملأ من قوم فرعون أنهم قالوا له :﴿أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى الأرض﴾ [ الأعراف : ١٢٧ ] ولو أنه ترك أولئك السحرة وقومه أحياء وما قتلهم، لذكرهم أيضاً ولحذرهم عن الإفساد الحاصل من جهتهم.
ويمكن أن يجاب عنه بأنهم دخلوا تحت قومه فلا وجه لإفرادهم بالذكر.
والثاني : أن قوله تعالى حكاية عنهم ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ يدل على أنه كان قد نزل بهم بلاء شديد عظيم، حتى طلبوا من الله تعالى أن يصبرهم عليه.
ويمكن أن يجاب عنه بأنهم طلبوا من الله تعالى الصبر على الإيمان وعدم الالتفات إلى وعيده.
الثالث : ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنه أنه فعل ذلك وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وهذا هو الأظهرمبالغة منه في تحذير القوم عن قبول دين موسى عليه السلام.
وقال آخرون : إنه لم يقع من فرعون ذلك، بل استجاب الله تعالى لهم الدعاء في قولهم :﴿وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ لأنهم سألوه تعالى أن يكون توفيهم من جهته لا بهذا القتل والقطع وهذا الاستدلال قريب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٦٩ ـ ١٧٠﴾


الصفحة التالية
Icon