قال المفسرون : لما ألقى موسى العصا صارت حية عظيمة حتى سدت الأفق ثم فتحت فكها فكان ما بين فكيها ثمانين ذراعاً وابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، فلما أخذها موسى صارت عصا كما كانت من غير تفاوت في الحجم والمقدار أصلاً.
واعلم أن هذا مما يدل على وجود الإله القادر المختار وعلى المعجز العظيم لموسى عليه السلام، وذلك لأن ذلك الثعبان العظيم لما ابتلعت تلك الحبال والعصي مع كثرتها ثم صارت عصا كما كانت فهذا يدل على أنه تعالى أعدم أجسام تلك الحبال والعصي، أو على أنه تعالى فرق بين تلك الأجزاء وجعلها ذرات غير محسوسة وأذهبها في الهواء بحيث لا يحس بذهابها وتفرقها وعلى كلا التقديرين، فلا يقدر على هذه الحالة أحد إلا الله سبحانه وتعالى.
المسألة الرابعة :
قوله :﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾ فيه وجهان :
الأول : معنى الإفك في اللغة قلب الشيء عن وجهه، ومنه قيل للكذب إفك لأنه مقلوب عن وجهه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما :﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾ يريد يكذبون، والمعنى : أن العصا تلقف ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزورونه وعلى هذ التقدير فلفظة ﴿مَا﴾ موصوله والثاني : أن يكون ﴿مَا﴾ مصدرية، والتقدير : فإذا هي تلقف إفكهم تسمية للمأفوك بالإفك. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ١٦٦ ـ ١٦٧﴾