الْحِيلَةُ، قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِ الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ مَا مَعْنَاهُ أَوْ مُحَصِّلُهُ عَلَى مَا نَتَذَكَّرُ أَنَّ إِبْطَالَهَا لِسِحْرِ السَّحَرَةِ أَنَّهُ تَرَتَّبَ عَلَى إِلْقَائِهَا أَنْ رَأَى النَّاسُ تِلْكَ الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ عَلَى أَصْلِهَا، وَلَوِ ابْتَلَعَتْهَا لَبَقِيَ الْأَمْرُ مُلْتَبِسًا عَلَى النَّاسِ ؛ إِذْ قُصَارَاهُ أَنَّ كُلًّا مِنَ السَّحَرَةِ وَمُوسَى قَدْ أَظْهَرَ أَمْرًا غَرِيبًا، وَلَكِنَّ أَحَدَ الْغَرِيبَيْنِ كَانَ أَقْوَى مِنَ الْآخَرِ فَأَخْفَاهُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ وَلَا مَفْهُومٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ زَوَالُ غِشَاوَةِ السِّحْرِ وَتَخْيِيلِهِ حَتَّى رَأَى النَّاسُ أَنَّ الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ الَّتِي أَلْقَاهَا
السَّحَرَةُ لَيْسَتْ إِلَّا حِبَالًا وَعِصِيًّا لَا تَسْعَى وَلَا تَتَحَرَّكُ، وَأَنَّ عَصَا مُوسَى لَمْ تَزَلْ حَيَّةً تَسْعَى - هُوَ الَّذِي مَازَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَعُرِفَتْ بِهِ الْآيَةُ الْإِلَهِيَّةُ، وَالْحِيلَةُ الصِّنَاعِيَّةُ، وَكُلُّ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّ عَصَا مُوسَى أَزَالَتْ هَذَا التَّخَيُّلَ بِسُرْعَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى اللَّقْفِ، وَلَكِنْ لَا نَعْلَمُ بِمَاذَا كَانَ لَهَا هَذَا التَّأْثِيرُ ؛ لِأَنَّهَا آيَةٌ إِلَهِيَّةٌ حَقِيقَةٌ لَا أَمْرٌ صِنَاعِيٌّ حَتَّى نَعْرِفَ صِفَتَهُ وَحَقِيقَتَهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أَظْهَرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْهُ فِي ابْتِلَاعِ الْعَصَا لِلْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ إِذَا فُسِّرَتْ أَلْفَاظُهُ بِمَعَانِيهَا الْحَقِيقَةِ، فَالَّذِي بَطَلَ كَانَ عَمَلًا عَمِلُوهُ، وَكَيْدًا