وقال ابن عاشور :
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾
هذا انتقال إلى ذكر المصائب التي أصاب الله بها فرعون وقومه، وجعلها آيات لموسى، ليلجىء فرعون إلى الإذن لبني إسرائيل بالخروج، وقد وقعت تلك الآيات بعد المعجزة الكبرى التي أظهرها الله لموسى في مجمع السحرة، ويظهر أن فرعون أغضى عن تحقيق وعيده إبقاء على بني إسرائيل، لأنهم كانوا يقومون بالأشغال العظيمة لفرعون.
ويُؤخذ من التوراة أن موسى بقي في قومه مدة يعيد محاولة فرعون أن يطلق بني إسرائيل، وفرعون يَعد ويُخلف، ولم تضبط التوراة مدة مقام موسى كذلك، وظاهرها أن المدة لم تطُل، وليس قوله تعالى :﴿ بالسنين ﴾ دليلاً على أنها طالت أعواماً لأن السنين هنا جمع سنة بمعنى الجدْب لا بمعنى الزمن المقدر من الدهر.
فالسنة في كلام العرب إذا عرفت باللام يراد بها سنة الجدب، والقحط، وهي حينئذٍ علم جنس بالغلبة، ومن ثَم اشتقوا منها : أسْنَت القومُ، إذا أصابهم الجدب والقحط، فالسنين في الآية مراد بها القحوط وجمعها باعتبار كثرة مواقعها أي : أصابهم القحط في جميع الأرضين والبلدان، فالمعنى : ولقد أخذناهم بالقحوط العامة في كل أرض.
والأخْذُ : هنا مجاز في القهر والغلبة، كقوله :﴿ لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ].
ويصح أن يكون هنا مجازاً في الإصابة بالشدائد، لأن حقيقة الأخذ : تناول الشيء باليد، وتعددت إطلاقاته، فأطلق كناية عن الملك.
وأطلق استعارة للقهر والغلبة، وللإهلاك.
وقد تقدمت معانيه متفرقة في السور الماضية.
وجملة ﴿ لعلهم يذكرون ﴾ في موضع التعليل لجملة ﴿ ولقد أخذنا ﴾ فلذلك فصلت.
ونقص الثمرات قلة إنتاجها قلة غير معتادة لهم.
فتنوين ﴿ نقص ﴾ للتكثير ولذلك نكر ( نقص ) ولم يضف إلى ( الثمرات ) لئلا تفوت الدلالة على الكثرة.