وقال القرطبى :
﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ ﴾
فيه مسألتان :
الأُولى قوله تعالى :﴿ فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة ﴾ أي الخِصْب والسَّعة.
﴿ قَالُواْ لَنَا هذه ﴾ أي أعْطيناها باستحقاق.
﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾ أي قَحْط ومرض، وهي المسألة :
الثانية ﴿ يَطَّيَّرُواْ بموسى ﴾ أي يتشاءموا به.
نظيره ﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ ﴾ [ النساء : ٧٨ ].
والأصل "يتطيروا" أدغمت التاء في الطاء.
وقرأ طلحة :"تطيّروا" على أنه فعل ماض.
والأصل في هذا من الطِّيرةِ وزَجْر الطَّير، ثم كثُرَ استعمالهم حتى قيل لكل من تشاءم : تَطَيَّر.
وكانت العرب تتيمّن بالسّانح : وهو الذي يأتي من ناحية اليمين.
وتتشاءم بالبارح ؛ وهو الذي يأتي من ناحية الشّمال.
وكانوا يتطيرون أيضاً بصوت الغراب ؛ ويتأوّلونه البَيْن.
وكانوا يستدِلون بمجاوبات الطيور بعضِها بعضاً على أُمور، وبأصواتها في غير أوقاتها المعهودة على مثل ذلك.
وهكذا الظِّباء إذا مضت سانحة أو بارحة، ويقولون إذا بَرَحت :"مَنْ لي بالسّانح بعد البارح".
إلا أنّ أقوى ما عندهم كان يقع في جميع الطير ؛ فسمَّوْا الجميع تَطَيُّراً من هذا الوجه.
وتطيّر الأعاجمُ إذا رأُوا صبِيّاً يذهب به إلى المُعَلِّم بالغداة، ويتيمَّنون برؤية صبيّ يرجع من عند المعلم إلى بيته، ويتشاءمون برؤية السَّقاء على ظهره قِربة مملوءةٌ مشدودة، ويتيمّنون برؤية فارغ السِّقاء مفتوحة قربته ؛ ويتشاءمون بالحَمّال المثقّل بالحِمْل، والدابة المُوقرة، ويتيمنون بالحَمّال الذي وضع حِمله، وبالدابة يُحَطّ عنها ثِقْلُها.