والمراد به في الآية أنهم يتشاءمون بموسى ومن معه فاستعمل التطير في التشاؤم بدون دلالة من الطير، لأن قوم فرعون لم يكونوا ممن يزجر الطير فيما علمنا من أحوال تاريخهم، ولكنهم زعموا أن دعوة موسى فيهم كانت سبب مصائب حلت بهم، فعبر عن ذلك بالتطير على طريقة التعبير العربي.
والتشاؤم : هو عد الشيء مشؤوماً، أي : يكون وجوده.
سبباً في وجود ما يُحزن ويضر، فمعنى ﴿ يَطَّيّرُوا بموسى ﴾ يحسبون حلول ذلك بهم مسبباً عن وجود موسى ومن آمن به وذلك أن آل فرعون كانوا متعلقين بضلال دينهم، وكانوا يحسبون أنهم إذا حافظوا على إتباعه كانوا في سعادة عيش، فحسبوا وجود من يخالف دينهم بينهم سبباً في حلول المصائب والإضرار بهم فتشاءموا بهم، ولم يعلموا أن سبب المصائب هو كفرهم وإعراضهم، لأن حلول المصائب بهم يلزم أن يكون مسبباً عن أسباب فيهم لا في غيرهم.
وهذا من العَماية في الضلالة فيبقون منصرفين عن معرفة الأسباب الحقيقية، ولذلك كان التطير من شعار أهل الشرك لأنه مبني على نسبة المسببات لغير أسبابها، وذلك من مخترعات الذين وضعوا لهم ديانة الشرك وأوهامها.
في الحديث " الطيرة شرك " وتأويله أنها : من بقايا دين الشرك، ويقع بعد فعل التطير باء، وهي باء السببية تدخل على موجب التطير، وقد يقال أيضاً : تطير من كذا.
وعطفُ ﴿ ومن معه ﴾، أي : من آمنوا به، لأن قوم فرعون يعدون موجب شُؤم موسى هو ما جاء به من الدين لأنه لا يُرضي آلهتهم ودينهم، ولولا دينُه لم يكن مشؤوماً كما قال ثمود ﴿ قد كنت فينا سرجوا قبل هذا ﴾ [ هود : ٦٢ ].
و﴿ ألا ﴾ حرف استفتاح يفيد الاهتمام بالخبر الوارد بعده.
تعليماً للأمة، وتعريضاً بمشركي العرب.
والطائر : اسم للطير الذي يُثار ليتيمن به أو يتشاءَم، واستعير هنا للسبب الحق لحلول المصائب بهم بعلاقة المشاكلة لقوله :﴿ يطيروا ﴾ فشبه السبب الحق، وهو ما استحقوا به العذاب من غضب الله بالطائر.


الصفحة التالية
Icon