وأجرى عليه الحق التجربة، فمادام يدعي أنه جاء بالمال على علم من عنده فليجعل العلم الذي عنده يحافظ له على المال أو يحافظ له على ذاته. وهم قالوا عن الحسنات التي يهبها الله لهم :" قالوا لنا هذه " أي نستحقها، لأننا قدمنا مقدمات تعطينا هذه النتائج. وجرت العادة قديماً بأن يفيض النيل كل سنة يغمر الأرض، ثم يبذرون الحب وينتظرون الثمار. فإن جاءت لهم سيئة مثل أخذهم الله لهم بالسنين ينسبون ذلك لموسى. ﴿... وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ ألا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٣١ ]
فإذا ما جاءتهم سيئة يطَّيَّرون أي يتشاءمون لأن الطيرة هي التشاؤم، وضده التفاؤل، ويقال :" فلان طائره نحس "، و " فلان طائره يمن وسعد ". وقديماً حينما كانوا يريدون طلب مسألة ما، يأتون بطير ويضعه صاحب المسألة على يده ويزجره ويثيره، فإن طار يميناً فهذا فأل حسن، وإن طار يساراً فهذا فأل سيئ، والحق هنا يوضح : لا تظلموا موسى، لأن شؤمكم أو حظكم السيئ ليس من موسى ؛ لأن موسى لا يملك في كون الله شيئاً، وإنما المالك للكون هو رب موسى. وكأن الحق يريدهم أيضاً ألا يفتنوا في موسى إن صنع شيئاً يأتي لهم بخير، وهنا يقول لهم لا تتطيروا بموسى، لأن طائركم من عند الله.
ولأن أحداث الحياة صنفان : حدث لك فيه مدخل، مثل التلميذ الذي لم يذاكر ويرسب، أو إنسان لا يحسن قيادة سيارته فقادها فعطبت به أو أصاب أحداً إصابة خطيرة، وهنا لا غريم لهذا الإِنسان، بل هو غريم نفسه.