وقال الماوردى :
قوله عز وجل :﴿ وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ... ﴾ الآية :﴿ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ ﴾ فيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه أشرافهم.
والثاني : رؤساؤهم.
والثالث : أنهم الرهط والنفر الذين آمنوا معهم.
والفرق بين الرهط والنفر من وجهين :
أحدهما : كثرة الرهط وقلة النفر.
والثاني : قوة الرهط وضعف النفر، وفي تسميتهم بالملأ وجهان :
أحدهما : أنهم مليئون بما يراد منهم.
والثاني : لأنهم تملأ النفوس هيبتهم.
وفيه وجه ثالث : لأنهم يملأون صدور المجالس.
فإن قيل : فما وجه إقدامهم على الإنكار على فرعون مع عبادتهم له؟ قيل : لأنهم رأوا منه خلاف عادته وعادة الملوك في السطوة بمن أظهر العناد وخالف، وكان ذلك من لطف الله بموسى.
وفي قوله :﴿ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ ﴾ وجهان :
أحدهما : ليفسدوا فيها بعبادة غيرك والدعاء إلى خلاف دينك.
والثاني : ليفسدوا فيها بالغلبة عليها وأخذ قومه منها.
ثم قالوا :﴿ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ ﴾ فإن قيل : فما وجه قولهم ذلك له وهم قد صدقوه على قوله :﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ]. قيل الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه كان يعبد الأصنام وكان قومه يعبدونه، قاله الحسن.
والثاني : أنه كان يعبد ما يستحسن من البقر ولذلك أخرج السامري عجلاً جسداً له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى، وكان معبوداً في قومه، قاله السدي.
والثالث : أنها كنت أصناماً يعبدها قومه تقرباً إليه، قاله الزجاج.
وقرأ ابن عباس ﴿ وَيَذَرَكَ وَإِلاَهَتَكَ ﴾ أي وعبادتك.
قال الحسن : وكان فرعون يَعبُد ويُعبَد. وعلى هذه القراءة يسقط السؤال. وذكر ابن قتيبة في هذه القراءة تأويلاً ثانياً ؛ أن الإلاهة الشمس، والعرب تسمي الشمس الإلاهة واستشهد بقول الأعشى :
وَلَمْ أَذْكُرِ الرُّعْبَ حَتَّى انْتَقَلْتُ... قُبَيْلَ الإِلاَهَةِ مِنْهَا قرِيباً