ويتطيّر الأعاجم إذَا رَأوْ صَبِيّاً يُذْهَب به إلى المُعَلِّم بالغَدَاةِ، وَيَتَيمَّنُون برؤية صبيٍّ يرجع من عند المعلم إلى بيته، ويَتَشَاءَمُونَ برؤية السَّقَّاء على ظهره قِرْبَةٌ مملوءةٌ مشدودة، ويتيمَّنُونَ برؤية فارغ السِّقاءِ مفتوحة، ويتشاءَمُونَ برؤية الحَمَّالِ المُثْقَل بالْحِمْلِ والدَّابَّة الموقرة، وَيَتَيَّمنُونَ بالحَمَّال الذي وضع حمله، وبالدَّابة الَّتي وضع عنها.
فَجَاء الإسْلامُ بالنَّهْيِ عن التَّطيُّرِ، والتَّشَاؤُم بما يُسمع من صوت طائر ما كان، وعلى أيّ حال كان ؛ فقال عليه الصلاة والسلام :" أقرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مُكُنَاتِهَا " وذلك أن كثيراً من أهل الجاهليةِ كان إذا أراد الحَاجَةَ ذهب إلى الطَّير في وَكْرها فنفَّرها فإذا أخذت يميناً مضى إلى حاجته، وهَذَا هو السَّانِحُ عندهم، وإن أخذت شماً رجع وهذا هو البَارحُ عندهم، فنهى النَّبيَّ ﷺ عن هذا بقوله " أقِرُّوا الطَّيْرَ على مُكنَاتِهَا " هكذا في الحديث.
وأهل العربيَّة يقولون :" وكناتِهَا "، والوكْنَةُ : اسمٌ لكلِّ وَكْرٍ وعشٍّ.
والوَكْنُ : اسمٌ للموضع الذي يبيض فيه الطَّائِرُ ويُفرخُ، وهُوا الخَرْقُ في الحِيطَانِ والشَّجرِ.
ويقال : وَكَنَ الطائرُ يَكِنُ وَكْناً ووكُوناً : دخل في الوَكْنِ، ووكن بَيْضَهُ، وعليه : حضنه، وكان أيضاً من العرب من لا يرى التَّطيُّرَ شيئاً نقله القرطبيُّ.
وروى عبد اللَّهِ بنُ عمرو بن العاصِ عن رسُولِ الله ﷺ، قال :" مَنْ رَجَّعَتْهُ الطِّيرةُ عن حَاجَتِه فَقَدْ أشْرَكَ ".
قيل : وما كفارةُ ذلك يا رسُول اللَّهِ.
قال :" أنْ يقُولَ أحَدُكم : اللَّهُمَّ لا طَيْرَ إلاَّ طَيْرُكَ، ولا خَيْرَ إلاَّ خَيْرُكَ، وَلاَ إله غَيرُك، ثُمَّ يمضي إلى حاجته ". أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٩ صـ ٢٧٧ ـ ٢٧٩﴾.


الصفحة التالية
Icon