والثاني : أنَّهُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ على أنَّهُ حال من " الرِّجز " أي : فَلَمَّا كَشَفْنَا عنهم الرجزَ كَائِناً إلى أجل، والمعنى : أنَّ العذابَ كان مُؤجَّلاً.
قال أبُو حيَّان : وَيُقَوِّي هذا التأويلَ كونُ جواب " لمَّا " جاء بـ " إذا " الفجائية أي : فَلَمَّا كَشَفْنَا عنهم العذابَ المقرَّر عليهم إلى أجلٍ فاجؤوا بالنَّكْثِ، وعلى معنى تَغْيِيَتِهِ الكشفَ بالأجَل المبلوغ لا تتأتى المفاجأة إلاَّ على تأويل الكشفِ بالاستمرار المُغيَّا فيمكن المفاجأة بالنَّكْث إذْ ذاك ممكن.
قوله :" هم بَالِغُوهُ " في محلِّ جرٍ صفة لـ " أجَلٍ " والوصف بهذه الجملةِ أبلغُ من وصفِهِ بالمفرد، لتكررِ الضَّمير المؤذن بالتَّفخيم.
وقوله :﴿ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ﴾ هذه " إذَا " الفُجَائيَّةِ، وتقدَّم الكلامُ عليها قريباً : و" هُمْ " مبتدأ، و" ينكُثُونَ " خبره، و" إذَا " جوابُ " لمَّا " كما تقدَّم بالتَّأويلِ المذكور.
قال الزمخشريُّ :﴿ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ﴾ جواب " لَمَّا " يعني : فلمَّا كشفنا عنهم العذاب فاجؤوا بالنّكث وبَادَرُوهُ ولَمْ يؤخِّروه، ولكن لَمَّا كَشَفَ عنهم نَكَثُوا.
قال أبُو حيان :" ولا يمكن التَّغْيية مع ظاهرِ هذا التقدير ".
انتهى.
يعني فلا بُدَّ من تأويل الكشْفِ بالاستمرار، كما تقدَّم، حتَّى يَصِحَّ ذلك.
وهذه الآية تَرُدُّ مذهبَ مَنْ يَدَّعي في " لَمَّا " أنَّهَا ظَرْفٌ، إذْ لا بُدَّ لَهَا حينئذٍ من عامل، وما بعد " إذَا " لا يعمل فيما قبلها، كما تحرَّر في موضعه.
وقرأ أبُو حَيْوَةَ وأبو هشام " يَنْكِثُون " بكسر الكاف، والجمهور على الضَّمِّ، وهما لغتان في المضارع.
والنَّكْثُ : النَّقْضُ، وأصله : مِنْ نَكْثِ الصُّوف المغزول لِيُغْزل ثانياً، وذلك المنكوث : نِكثٌ كـ : ذِبْح، وَرِعْي.
والجمعُ : أنكاث، فاستعير لنقض العهد بعد إحكامه وإبرامه كما في خيوط الأكسية إذا نُكِثَتْ بعدما أبْرِمَتْ، وهذا مِنْ أحسن الاستعارات. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٩ صـ ٢٨٧ ـ ٢٨٨﴾