والإغراقُ : الإلقاء في الماء المستبحر الذي يغمر المُلْقَى فلا يترك له تنفساً، وهو بيان للانتقام وتفصيل لمجمله، فالفاء في قوله :﴿ فأغرقناهم ﴾ للترتيب الذكري، وهو عطف مفصّل على مجمل كما في قوله تعالى :﴿ فتوبوا إلى بارئكم فاقتُلوا أنفسكم ﴾ [ البقرة : ٥٤ ].
وحَمَل صاحب "الكشاف" الفعل المعطوف عليه هنا على معنى العزم فيكون المعنى : فأرْدنا الانتقام منهم فأغرقناهم، وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى :﴿ فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ﴾ في سورة البقرة ( ٥٤ ).
واليمّ : البحر والنهر العظيم، قيل هو كلمة عربية.
وهو صنيع الكشاف } إذ جعله مشتقاً من التيمم لأنه يُقصد للمنتفعين به، وقال بعضْ اللغويين : هو معرب عن السريانية وأصله فيها ( يَمّا ) وقال شَيْدَلَةُ : هو من القبطية، وقال ابن الجوزي : هو من العبرية، ولعله موجود في هذه اللغات.
ولعل أصله عربي وأخذته لغات أخرى ساميّة من العربية والمراد به هنا بحر القُلْزُم، المسمى في التوراة بحر سُوف، وهو البحر الأحمر.
وقد أطلق ( اليم ) على نهر النيل في قوله تعالى :﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقْذفيه في اليَمّ ﴾ [ طه : ٣٩ ] وقوله:
﴿ فإذا خفتتِ عليه فألقيه في اليمّ ﴾ [ القصص : ٧ ]، فالتعريف في قوله :﴿ اليَمّ ﴾ هنا تعريف العهد الذهني عند علماء المعاني المعروف بتعريف الجنس عند النحاة إذ ليس في العبرة اهتمام ببحر مخصوص ولكن بفرد من هذا النوع.
وقد أغرق فرعون وجنده في البحر الأحمر حين لحق بني إسرائيل يريد صدهم عن الخروج من أرض مصر، وتقدمت الإشارة إلى ذلك في سورة البقرة وسيأتي تفصيله عند قوله تعالى :﴿ حتى إذا أدركه الغرق ﴾ في سورة يونس ( ٩٠ ).
والباء في بأنهم } للسببية، أي : أغرقناهم جزاء على تكذيبهم بالآيات.


الصفحة التالية
Icon