هو يقول :" كلا " أي لن يدركوكم لا بأسبابه، بل أسباب من أرسله بدليل أنه جاء بحيثيتها معها وقال :﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾. لقد تكلم بمنطق المؤمن الذي أوى إلى ركن شديد، وأن المسائل لا يمكن أن تنتهي عند هذا الوضع ؛ لأنه لم يؤد المهمة بكاملها، لذلك قال :" كلا " يملء فيه، مع أن الأسباب مقطوع بها. فالبحر أمامهم والعدو من خلفهم، وأتبع ذلك بقوله :﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ بالحفظ والنصرة.. أي أن الأسباب التي سبق أن أرسلها معي الله فوق نطاق أسباب البشر، فالعصا سبق أن نصره الله بها على السحرة، وهي العصا نفسها التي أوحى له سبحانه باستعمالها في هذه الحالة العصيبة قائلاً له :﴿ اضرب بِّعَصَاكَ البحر... ﴾ [ الشعراء : ٦٣ ]
ونعرف أن البحر وعاء للماء، وأول قانون للماء هو السيولة التي تعينه على الاستطراق، ولو لم يكن الماء سائلاً، وبه جمود وغلظة لصار قطعاً غير متساوية، ولكن الذي يعينه على الاستطراق هو حالة السيولة، ولذلك حين نريد أن نضبط دقة استواء أي سطح نلجأ إلى ميزان الماء.
وقال الحق سبحانه لموسى عليه السلام :﴿ اضرب بِّعَصَاكَ البحر ﴾ [ الشعراء : ٦٣ ]
وحين ضرب موسى بعصاه البحر امتنع عن الماء قانون السيولة وفقد قانون الاستطراق، ويصور الله هذا الأمر لنا تصويراً دقيقاً فيقول :﴿ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم ﴾.


الصفحة التالية
Icon