والوجه الثالث : ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني في سورة طه ما دل على أن موسى عليه السلام بادر إلى ميقات ربه قبل قومه، والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ياموسى موسى قَالَ هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى﴾ فجائز أن يكون موسى أتى الطور عند تمام الثلاثين، فلما أعلمه الله تعالى خبر قومه مع السامري، رجع إلى قومه قبل تمام ما وعده الله تعالى، ثم عاد إلى الميقات في عشرة أخرى، فتم أربعون ليلة.
والوجه الرابع : قال بعضهم لا يمتنع أن يكون الوعد الأول حضره موسى عليه السلام وحده، والوعد الثاني حضر المختارون معه ليسمعوا كلام الله تعالى، فصار الوعد مختلفاً لاختلاف حال الحاضرين والله أعلم.
والجواب عن السؤال الثاني : أنه تعالى إنما قال :﴿أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ إزالة التوهم أن ذلك العشر من الثلاثين لأنه يحتمل أتممناها بعشر من الثلاثين، كأنه كان عشرين، ثم أتمه بعشر، فصار ثلاثين، فأزال هذا الإيهام.
أما قوله تعالى :﴿فَتَمَّ ميقات رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ ففيه بحثان :
البحث الأول : الفرق بين الميقات وبين الوقت، أن الميقات ما قدر فيه عمل من الأعمال، والوقت وقت للشيء قدرة مقدر أولاً.
والبحث الثاني : قوله :﴿أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ نصب على الحال أي تم بالغاً هذا العدد.
وأما قوله :﴿وَقَالَ موسىلأخيه هارون﴾ فقوله :﴿هارون﴾ عطف بيان لأخيه وقرىء بالضم على النداء ﴿اخلفنى فِى قَوْمِى﴾ كن خليفتي فيهم ﴿وَأَصْلِحَ﴾ وكن مصلحاً أو ﴿وَأَصْلِحَ﴾ ما يجب أن يصلح من أمور بني إسرائيل ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه.
فإن قيل : إن هرون كان شريك موسى عليه السلام في النبوة، فكيف جعله خليفة لنفسه، فإن شريك الإنسان أعلى حالاً من خليفته ورد الإنسان من المنصب الأعلى إلى الأدون يكون إهانة.
قلنا الأمر وإن كان كما ذكرتم، إلا أنه كان موسى عليه السلام هو الأصل في تلك النبوة.