ونداؤهم موسى وهو معهم مستعمل في طلب الإصغاء لما يقولونه، إظهاراً لرغبتهم فيما سيطلبون، وسموا الصنم إلاهاً لجهلهم فهم يحْسبون أن اتخاذ الصنم يُجدي صاحبه، كما لو كان إلاهُه معَه، وهذا يدل على أن بني إسرائيل قد انخلعوا في مدة إقامتهم بمصر عن عقيدة التوحيد وحنيفية إبراهيم ويعقوب التي وصى بها في قوله :﴿ فلا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون ﴾ [ البقرة : ١٣٢ ] لأنهم لما كانوا في حال ذل واستعباد ذهب علمهم وتاريخ مجدهم واندمجوا في ديانة الغالبين لهم فلم تبق لهم ميزة تميزهم إلاّ أنهم خدمة وعبيد.
والتشبيه في قوله :﴿ كما لَهم آلهة ﴾ أرادوا به حَض موسى على إجابة سؤالهم، وابتهاجاً بما رأوا من حال القوم الذين حَلّوا بين ظهرانيهم وكفَى بالأمة خسّةَ عقول أن تعُد القبيح حسناً، وأن تتخذ المظاهر المزيّنة قدوة لها، وأن تنخلع عن كمالها في اتباع نقائص غيرها.
و﴿ ما ﴾ يجوز أن تكون صلة وتوكيداً كافة عمل حرف التشبيه، ولذلك صار كاف التشبيه داخلاً على جملة لا على مفرد، وهي جملة من خبر ومبتدأ، ويجوز أن تكون ( ما ) مصدرية غير زمانية، والجملة بعدها في تأويل مصدر، والتقدير كوجود آلهة لهم، وإن كان الغالب أن ( ما ) المصدرية لا تدخل إلاّ على الفعل نحو قوله تعالى :﴿ ودوا ما عنَتّم ﴾ [ آل عمران : ١١٨ ] فيتعين تقدير فعل يتعلق به المجرور في قوله :﴿ لهم ﴾ أو يكتفَى بالاستقرار الذي يقتضيه وقوع الخبر جازا ومجروراً، كقول نهْشَل بن جرير التميمي:
كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه
وفصلت جملة ﴿ قال إنكم قوم تجهلون ﴾ لوقوعها في جواب المحاورة، أي : أجاب موسى كلامهم، وكان جوابه بعنف وغلظة بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾ لأن ذلك هو المناسب لحالهم.


الصفحة التالية
Icon