فَنَجْتَنِبُ مِنْهُ مَا لَنَا غِنًى عَنْهُ، وَمَا كَانَ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ بِنَفْسِهِ لَا نَأْخُذُهُ بِقَصْدِ التَّشَبُّهِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ تَعْظِيمِ الْمُتَشَبِّهِ لِغَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِهِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ أَوْ يَسْتَلْزِمُ احْتِقَارَهَا أَوِ احْتِقَارَهُمْ وَالشُّعُورَ بِأَنَّهُمْ دُونَهُمْ، وَأَمَّا اقْتِبَاسُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ النَّافِعَةِ ؛ لِأَجْلِ مَنْفَعَتِهَا بِقَدْرِهَا فَلَيْسَ مِنَ التَّشَبُّهِ، وَلَا مِنْ تَفْضِيلِ الْمُقْتَبِسِ مِنْهُمْ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَيْسَتْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَلَا اقْتُبِسَتْ لِأَجْلِ التَّعْظِيمِ بَلْ لِفَائِدَتِهَا، وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ مِمَّا تَعْتَزُّ بِهِ مِلَّةُ الْمُقْتَبِسِ الْمُسْتَفِيدِ وَأَهْلِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَخْذُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَمَلَ الْخَنْدَقِ عَنِ الْفُرْسِ ؛ إِذْ أَخْبَرَهُ سَلْمَانُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنْهُمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْأَخْذُ وَاجِبًا شَرْعًا، وَمِنْهُ أَخْذُنَا لِفُنُونِ الْحَرْبِ وَصِنَاعَتِهَا وَآلَاتِهَا عَنِ الْإِفْرِنْجِ ؛ إِذْ أَتْقَنُوهَا قَبْلَنَا، فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِلَا نِزَاعٍ، فَالْأُمَّةُ الْحَيَّةُ تَقْتَبِسُ كُلَّ شَيْءٍ نَافِعٍ يُغَذِّي حَيَاتَهَا، وَيَزِيدُهَا قُوَّةً وَعِزَّةً، وَتَتَّقِي فِي ذَلِكَ كُلَّ مَا فِيهِ ضَعْفٌ لَهَا فِي مُقَوِّمَاتِهَا أَوْ مُشَخِّصَاتِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ تَفْضِيلٌ لِخُصُومِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ عَلَيْهَا، وَقَدْ فَطِنَ الْيَابَانُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَحَافَظُوا عَلَى شُئُونِهِمُ الْمِلِّيَّةِ وَالْقَوْمِيَّةِ عِنْدَ اقْتِبَاسِهِمْ لِعُلُومِ


الصفحة التالية