تَبَرُّمِهِمْ بِالتَّكَالِيفِ، وَتَمَرُّدِهِمْ عَلَى مُوسَى ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَا قَصَّهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ، وَفِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَدَيْهِمْ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَالتَّفْصِيلِ لَهُ مَا هُوَ مِنْ
مُوَاطِنِ الْعَجَبِ، وَقَدِ ابْتَلَاهُمُ اللهُ تَعَالَى وَرَبَّاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَحَرَّمَ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى انْقَرَضَ ذَلِكَ الْجِيلُ الَّذِي نَشَأَ فِي حِجْرِ الْوَثَنِيَّةِ، وَشَبَّ أَوِ اكْتَهَلَ أَوْ شَاخَ، فِي ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ الْفِرْعَوْنِيَّةِ، وَقَدْ رَأَيْنَا نَمُوذَجًا لِذَلِكَ فِي طَوَائِفَ مِنْ أُمَّتِنَا وُلِدُوا فِي مَهْدِ الظُّلْمِ، وَشَبُّوا فِي حِجْرِ النِّفَاقِ وَالْفِسْقِ، فَسَنَحَتْ لِأَعْلَمِهِمْ بِشُئُونِ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ فُرَصٌ مُتَعَدِدَةٌ، كَانَ يُرْجَى أَنْ يُحَرِّرُوا فِيهَا أَنْفُسَهُمْ مِنْ رِقِّهَا السِّيَاسِيِّ وَيَسْتَقِلُّوا بِأَمْرِهِمْ فَأَضَاعُوهَا وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَكَانَ هَذَا مِنْ عِبَرِ التَّارِيخِ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ فَلَاحَ الْأُمَمِ بِأَخْلَاقِهَا وَعَقَائِدِهَا، وَأَنَّ الْعِلْمَ النَّاقِصَ شَرٌّ مِنَ الْجَهْلِ الْمُطْلَقِ، وَأَنَّ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ فِي الرَّجُلِ أَوِ الشَّعْبِ الْفَاسِدِ الْأَخْلَاقِ كَالسَّيْفِ فِي يَدِ الْمَجْنُونِ رُبَّمَا جَنَى بِهِ عَلَى صَدِيقِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، وَرُبَّمَا نَصَرَ بِهِ عَدُوَّهُ.


الصفحة التالية
Icon