فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين أنواع نعمه على بني إسرائيل بأن أهلك عدوهم وأورثهم أرضهم وديارهم أتبع ذلك بالنعمة العظمى، وهي أن جاوز بهم البحر مع السلامة، ولما بين تعالى في سائر السور كيف سيرهم في البحر مع السلامة، وذلك بأن فلق البحر عند ضرب موسى البحر بالعصا وجعله يبساً بين أن بني إسرائيل لما شاهدوا قوماً يعكفون على عبادة أصنامهم، جهلوا وارتدوا وقالوا : لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، ولا شك أن القوم لما شاهدوا المعجزات الباهرة التي أظهرها الله تعالى لموسى على فرعون، ثم شاهدوا أنه تعالى أهلك فرعون وجنوده، وخص بني إسرائيل بأنواع السلامة والكرامة ثم إنهم بعد هذه المواقف والمقامات يذكرون هذا الكلام الفاسد الباطل كانوا في نهاية الجهل وغاية الخلاف.
أما قوله تعالى :﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إسرائيل البحر﴾ يقال : جاوز الوادي.
إذا قطعه وخلفه وراءه وجاوز بغيره، عبر به وقرىء ﴿جوزنا﴾ بمعنى : أجزنا.
يقال : أجاز المكان وجوزه بمعنى : جازه ﴿فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ﴾ قال الزجاج : يواظبون عليها ويلازمونها.
يقال : لكل من لزم شيئاً وواظب عليه، عكف يعكف ويعكف، ومن هذا قيل لملازم المسجد متعكف.
وقال قتادة : كان أولئك القوم من لخم، وكانوا نزولاً بالريف.
قال ابن جريج : كانت تلك الأصنام تماثيل بقر وذلك أول بيان قصة العجل.


الصفحة التالية
Icon