أو ما آمنوا بها، فإن كان الأول كفاهم في الامتناع عن ذلك السؤال الباطل، مجرد قول موسى عليه السلام، فلا حاجة إلى هذا السؤال الذي ذكره موسى عليه السلام، وإن كان الثاني لم ينتفعوا بهذا الجواب لأنهم يقولون له لا نسلم أن الله منع من الرؤية، بل هذا قول افتريته على الله تعالى، فثبت أن على كلا التقديرين لا فائدة للقوم في قول موسى عليه السلام ﴿أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾.
وأما التأويل الثالث : فبعيد أيضاً ويدل عليه وجوه : الأول : أن على هذا التقدير يكون معنى الآية أرني أمراً أنظر إلى أمرك، ثم حذف المفعول والمضاف، إلا أن سياق الآية يدل على بطلان هذا، وهو قوله :﴿أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِى﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] فسوف تراني ﴿فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ ولا يجوز أن يحمل جميع هذا على حذف المضاف.
الثاني : أنه تعالى أراه من الآية ما لا غاية بعدها كالعصا واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وإظلال الجبل، فكيف يمكن بعد هذه الأحوال طلب آية ظاهرة قاهرة.
والثالث : أنه عليه السلام كان يتكلم مع الله بلا واسطة.
ففي هذه الحالة كيف يليق به أن يقول : أظهر لي آية قاهرة ظاهرة تدل على أنك موجود ؟ ومعلوم أن هذا الكلام في غاية الفساد.
الرابع : أنه لو كان المطلوب آية تدل على وجوده، لأعطاه تلك الآية كما أعطاه سائر الآيات ولكان لا معنى لمنعه عن ذلك، فثبت أن هذا القول فاسد.
وأما التأويل الرابع وهو أن يقال : المقصود منه إظهار آية سمعية تقوي ما دل العقل عليه، فهو أيضاً بعيد، لأنه لو كان المراد ذلك، لكان الواجب أن يقول : أريد يا إلهي أن يقوى امتناع رؤيتك بوجوه زائدة على ما ظهر في العقل، وحيث لم يقل ذلك بل طلب الرؤية.
علمنا أن هذه التأويلات بأسرها فاسدة.


الصفحة التالية
Icon