وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) ﴾
والاصطفاء هو استخلاص الصفوة، وقوله :﴿ اصطفيتك عَلَى الناس ﴾ تعبير فيه دقة الأداء لأنه لو قال اصطفيتك فقط، ولم يقل على الناس، فقد يُفهم الاصطفاء على الملائكة أيضاً. ولكن الاصطفاء هنا محدد في دائرة الاصطفاء البشري :﴿ إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي ﴾. ولقائل أن يقول : إن الحق اصطفى غيره أيضاً من الرسل، والحق هو القائل :﴿ إِنَّ الله اصطفى ءَادَمَ وَنُوحاً... ﴾ [ آل عمران : ٣٣ ]
ونقول : هناك فرق بين اصطفاء رسالة منفردة، وبين اصطفاء في رسالة ومعها شيء زائد، وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - فإذا جئت كمدرس لتلاميذ وأعطيت واحداً منهم هدية عبارة عن قلم كمكافأة، ثم أعطيت الثاني قلماً وزجاجة حبر، أنت بذلك اصطفيت التلميذ الأول بهدية القلم، واصطفيت الآخر باجتماع قلم وزجاجة حبر في هدية واحدة. والاصطفاء هنا لموسى بالرسالة كما اصطفى غيره من الرسل بالإضافة إلى شرف الكلام :﴿ اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي ﴾.
وعرفنا من قبل أن " رسالاتي " هي في مجموعها رسالة واحدة، ولكن الرسالة مع سيدنا رسول الله ﷺ استمرت جزئياتها ثلاثاً وعشرين سنة في النزول، فكأن كل نجم رسالة، أو كل باب من أبواب الخير رسالة، فهي رسالات متعددة، أو أن رسالته جمعت رسالات السابقين :﴿ قَالَ ياموسى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ الشاكرين ﴾ [ الأعراف : ١٤٤ ]