وأما قوله :﴿مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلِّ شَىْءٍ﴾ فهو كالبيان للجملة التي قدمها بقوله :﴿مِن كُلِّ شَىْءٍ﴾ وذلك لأنه تعالى قسمه إلى ضربين : أحدهما :﴿مَّوْعِظَةً﴾ والآخر ﴿تَفْصِيلاً﴾ لما يجب أن يعلم من الأحكام، فيدخل في الموعظة كل ما ذكره الله تعالى من الأمور التي توجب الرغبة في الطاعة والنفرة عن المعصية، وذلك بذكر الوعد والوعيد، ولما قرر ذلك أولاً أتبعه بشرح أقسام الأحكام وتفصيل الحلال والحرام، فقال :﴿وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء﴾ ولما شرح ذلك، قال لموسى :﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ أي بعزيمة قوية ونية صادقة، ثم أمره الله تعالى أن يأمر قومه بأن يأخذوا بأحسنها، وظاهر ذلك أن بين التكليفين فرقاً، ليكون في هذا التفصيل فائدة، ولذلك قال بعض المفسرين : إن التكليف كان على موسى عليه السلام أشد، لأنه تعالى لم يرخص له ما رخص لغيره، وقال بعضهم : بل خصه من حيث كلفه البلاغ والأداء.
وإن كان مشاركاً لقومه فيما عداه، وفي قوله :﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا ﴾.
سؤال : وهو أنه تعالى لما تعبد بكل ما في التوراة وجب كون الكل مأموراً به، وظاهر قوله ﴿يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا﴾ يقتضي أن فيه ما لبس بأحسن، وإنه لا يجوز لهم الأخذ به، وذلك متناقض وذكر العلماء في الجواب عنه وجوهاً : الأول : أن تلك التكاليف منها ما هو حسن ومنها ما هو أحسن، كالقصاص، والعفو، والانتصار، والصبر، أي فمرهم أن يحملوا أنفسهم على الأخذ بما هو أدخل في الحسن، وأكثر للثواب كقوله :
﴿واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم﴾ [ الزمر : ٥٥ ] وقوله :﴿الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [ الزمر : ١٨ ].
فإن قالوا : فلما أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن، فقد منع من الأخذ بذلك الحسن، وذلك يقدح في كونه حسناً فنقول يحمل أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن على الندب حتى يزول هذا التناقض.


الصفحة التالية
Icon