والجواب : الذاهبون إلى الاحتمال الأول احتجوا على صحة قولهم بوجهين : الأول : قوله تعالى :﴿عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ﴾ والجسد اسم للجسم الذي يكون من اللحم والدم، ومنهم من نازع في ذلك وقال بل الجسد اسم لكل جسم كثيف، سواء كان من اللحم والدم أو لم يكن كذلك.
والحجة الثانية : أنه تعالى أثبت له خواراً، وذلك إنما يتأتى في الحيوان.
وأجيب عنه : بأن ذلك الصوت لما أشبه الخوار لم يبعد إطلاق لفظ الخوار عليه، وقرأ علي رضي الله عنه :( جؤار ) بالجيم والهمزة، من جأر إذا صاح فهذا ما قيل في هذا الباب.
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا المذهب والمقالة احتج على فساد كون ذلك العجل إلها بقوله :﴿أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتخذوه وَكَانُواْ ظالمين﴾ وتقرير هذا الدليل أن هذا العجل لا يمكنه أن يكلمهم ولا يمكنه أن يهديهم إلى الصواب والرشد، وكل من كان كذلك كان إما جماداً وإما حيواناً عاجزاً، وعلى التقديرين فإنه لا يصلح للإلهية، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن من لا يكون متكلماً ولا هادياً إلى السبيل لم يكن إلها لأن الإله هو الذي له الأمر والنهي، وذلك لا يحصل إلا إذا كان متكلماً، فمن لا يكون متكلماً لم يصح منه الأمر والنهي، والعجل عاجز عن الأمر والنهي فلم يكن إلها.
وقالت المعتزلة : هذه الآية تدل على أن شرط كونه إلها أن يكون هادياً إلى الصدق والصواب، فمن كان مضلاً عنه وجب أن لا يكون إلها.
فإن قيل : فهذا يوجب أنه لو صح أن يتكلم ويهدي، يجوز أن يتخذ إلها، وإلا فإن كان إثبات ذلك كنفيه في أنه لا يجوز أن يتخذ إلهاً فلا فائدة فيما ذكرتم.
والجواب من وجهين : الأول : لا يبعد أن يكون ذلك شرطاً لحصول الإلهية، فيلزم من عدمه عدم الإلهية وإن كان لا يلزم من حصوله حصول الإلهية.


الصفحة التالية
Icon