الضَّالُّونَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْغَافِلِينَ عَنْ آيَاتِ اللهِ - تَعَالَى -، وَمَا تَهْدِي إِلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْحَيَاةِ الْأُخْرَى الْبَاقِيَةِ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُ اللهُ - تَعَالَى - فِي وَصْفِهِمْ : أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (١٤ : ٣) وَيَقُولُ : قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (٤ : ١٦٧) إِذْ كَانَ لَهُمْ مِنَ الِانْهِمَاكِ فِيمَا هُمْ فِيهِ وَالْغُرُورِ بِهِ، وَاحْتِقَارِهِمْ مَا سِوَاهُ مَا يَصُدُّهُمْ عَنْ تَوْجِيهِ عُقُولِهِمْ إِلَى غَيْرِهِ،
وَمِنْهُمْ مُتَفَرْنِجَةُ الْمُسْلِمِينَ الْجُغْرَافِيِّينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ، يَحْتَقِرُونَ هِدَايَةَ الدِّينِ الرُّوحِيَّةِ، وَلَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ الْعَظِيمِ فِي تَهْذِيبِ النَّفْسِ، وَحَمْلِهَا عَلَى الْخَيْرِ، وَصَدِّهَا عَنِ الشُّرُورِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَإِنَّمَا غَرَّهُمْ وَأَضَلَّهُمْ أَنَّهُمْ فِي عَصْرٍ وَصَلَ فِيهِ الْغَرْبِيُّونَ إِلَى غَايَةٍ بَعِيدَةٍ مِنَ الْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ، كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ عَاشَ فِي هَذَا الْعَصْرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُمْ عَبْدًا لِشَهَوَاتِهِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ الْأَفْضَلُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا يَتَّبِعُوا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا وَقُوَّتِهَا وَصِنَاعَاتِهَا وَفُنُونِهَا مَا كَانَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (٥٩ : ٢).