والذلة : خضوع في النفس واستكانة من جرّاء العجز عن الدفع، فمعنى : نيل الذلّة إياهم أنهم يصيرون مغلوبين لمن يغلبهم، فقد يكون ذلك بتسليط العدو عليهم، أو بسلب الشجاعة من نفوسهم.
بحيث يكونون خائفين العدو، ولو لم يسلّط عليهم، أو ذلّة الاغتراب إذ حرمهم الله ملك الأرض المقدسة فكانوا بلا وطن طول حياتهم حتى انقرض ذلك الجيل كله، وهذه الذلّة عقوبة دنيوية قد لا تمحوها التوبة، فإن التوبة إنما تقتضي العفو عن عقاب التكليف، ولا تقتضي ترك المؤاخذة بمصائب الدنيا، لأن العقوبات الدنيوية مسببات تنشأ عن أسبابها، فلا يلزم أن ترفعها التوبة إلا بعناية إلهية خاصة، وهذا يشبه التفرقة بين خطاب الوضع وخطاب التكليف كما يؤخذ من حديث الإسراء لما أُتي رسول الله ﷺ بإناءَيْن أحدهما من لبن والآخر من خمر، فاختار اللبن، فقال جبريل : الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر لغَوَتْ أمتك، هذا وقد يمحو الله العقوبة الدنيوية إذا رَضي عن الجاني والله ذو فضل عظيم.
والقول في الإشارة من قوله :﴿ وكذلك ﴾ تقدم في قوله ﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ﴾ في سورة البقرة ( ١٤٣ )، أي ومثل ذلك الجزاء العظيم نجزي المفترين.
والافتراء الكذب الذي لا شبهة لكاذبه في اختلاقه، وقد مضى في قوله تعالى :﴿ ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ﴾ في سورة المائدة ( ١٠٣ ).
والمراد بالافتراء الاختلاق في أصول الدين بوضع عقائِدَ لا تستند إلى دليل صحيح من دلالة العقل أو من دلالة الوحي، فإن موسى عليه السلام كان حذرهم من عبادة الأصنام كما حكاه الله فيما مضى في قوله تعالى :﴿ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم...﴾