وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
حين يقال :﴿ اتخذوا العجل ﴾ قد نجد من يتساءل : هل اتخذوه مذبوحاً يأكلونه؟ أو يثير الأرض أو يسقي الحرث ويدير السواقي؟ لأن العجل موجود لهذه المهام، لكنهم لم يأخذوا العجل لتلك المهام، بل إنهم قد اتخذوا العجل إلهاً ومعبوداً، أما اتخاذه فيما خُلِقَ له فلا غبار عليه، وهو هنا محذوف ومتروك لفطنة السامع ؛ فإذا اتخذنا العجل فيما خُلِقَ له العجل لا ينالنا غضب من الله، أما الذين سينالهم غضب الله فهم من اتخذوا العجل في غير ما خُلِقَ له، إنهم اتخذوه إلهاً :﴿ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا ﴾.
وقوله :﴿ سَيَنَالُهُمْ ﴾ يدل على أن أوان الغضب والذلة لم يأت بعد، وسيحدث في المستقبل، ومستقبل الدنيا هو الآخرة، ولكن الحق هنا يقول : إن الذلة ستحدث في الدنيا، فكيف يكون ﴿ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ ﴾ مع أنهم تابوا؟ ويوضح سبحانه لنا ذلك في قوله :﴿ فتوبوا إلى بَارِئِكُمْ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾.
فبعضهم تاب إلى بارئه وقتل نفسه فلماذا إذن الغضب؟
ويوضح الحق لنا أن الذي ينالهم من الغضب هو ما ألجأهم إلى أن يقال لهم :" اقتلوا أنفسكم "، وهكذا نفهم أن قوله تعالى :﴿ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ ﴾ أي قبل أن يتوبوا، وقتل النفس هو منتهى الذلة ومنتهى الإهانة. ﴿... سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين ﴾ [ الأعراف : ١٥٢ ]