ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَسَفَ فِي الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا هُوَ الْغَضْبَانُ فَهُوَ إِذًا مُتَرَادِفٌ، وَقَدْ فَاتَهُ هُنَا مَا نَعْهَدُ مِنْ تَحْقِيقِهِ لِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ، وَمَا أَظُنُّ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَصِحُّ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَ مِنَ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْغَضَبِ وَالْحُزْنِ، إِنَّمَا يَظْهَرُ بَيْنَ الْغَضَبِ وَالْحِقْدِ، وَإِنَّمَا الْحُزْنُ أَلَمُ النَّفْسِ بِفَقْدِ مَا تُحِبُّ مِنْ مَالٍ أَوْ أَهْلٍ أَوْ وَلَدٍ، وَلَيْسَ مِنْ شَهْوَةِ الِانْتِقَامِ فِي شَيْءٍ، وَمِنْ شَوَاهِدِ اسْتِعْمَالِ الْأَسَفِ بِمَعْنَى الْحُزْنِ ؛ قَوْلُهُ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ (١٢ : ٨٤) وَمِنْ شَوَاهِدِ اسْتِعْمَالِهِ بِمَعْنَى الْغَضَبِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - : فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ (٤٣ : ٥٥) وَلَا يُوصَفُ رَبُّنَا تَعَالَى بِالْحُزْنِ وَلَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ، وَغَضَبُهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَغَضَبِ الْبَشَرِ أَلَمًا فِي النَّفْسِ، وَلَا أَثَرَ غَلَيَانِ دَمِ الْقَلْبِ، تَعَالَى رَبُّنَا عَنْ هَذِهِ الِانْفِعَالَاتِ وَالْآلَامِ الْبَشَرِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ تَلِيقُ بِهِ هِيَ سَبَبُ الْعِقَابِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْغَضْبَانِ وَالْأَسِفِ فِي صِفَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَسَفَ بِمَعْنَى الْحُزْنِ.
وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ مُوسَى مِنَ الطُّورِ إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ عَلَى أَخِيهِ هَارُونَ إِذْ رَأَى أَنَّهُ ضَعُفَ فِي سِيَاسَتِهِ لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَا عَزِيمَةٍ فِي خِلَافَتِهِ فِيهِمْ، حَزِينًا عَلَى مَا وَقَعَ


الصفحة التالية
Icon