فصل
قال الفخر :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
اعلم أن المقصود من هذه الآية شرح حال من عبد العجل.
واعلم أن المفعول الثاني من مفعولي الاتخاذ محذوف، والتقدير : اتخذوا العجل إلهاً ومعبوداً ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى :﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هذا إلهكم وإله موسى﴾ [ طه : ٨٨ ] وللمفسرين في هذه الآية طريقان : الأول : أن المراد بالذين اتخذوا العجل هم الذين باشروا عبادة العجل، وهم الذين قال فيهم :﴿سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّهِمْ﴾ وعلى هذا التقدير ففيه سؤال، وهو أن أولئك الأقوام تاب الله عليهم بسبب أنهم قتلوا أنفسهم في معرض التوبة عن ذلك الذنب، وإذا تاب الله عليهم فكيف يمكن أن يقال في حقهم أنه ﴿سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّهِمْ وَذِلَّةٌ فِى الحياة الدنيا ﴾.
والجواب عنه : أن ذلك الغضب إنما حصل في الدنيا لا في الآخرة، وتفسير ذلك الغضب هو أن الله تعالى أمرهم بقتل أنفسهم، والمراد بقوله :﴿وَذِلَّةٌ فِى الحياة الدنيا﴾ هو أنهم قد ضلوا فذلوا.
فإن قالوا : السين في قوله :﴿سَيَنَالُهُمْ﴾ للاستقبال، فكيف يحمل هذا على حكم الدنيا ؟
قلنا : هذا الكلام حكاية عما أخبر الله تعالى به موسى عليه السلام حين أخبره بافتتان قومه واتخاذهم العجل، فأخبره في ذلك الوقت أنه سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا، فكان هذا الكلام سابقاً على وقوعهم في القتل وفي الذلة، فصح هذا التأويل من هذا الاعتبار.
والطريق الثاني : أن المراد بالذين اتخذوا العجل أبناؤهم الذين كانوا في زمن النبي- ﷺ -، وعلى هذا التقدير : ففي الآية وجهان :
الوجه الأول : أن العرب تعير الأبناء بقبائح أفعال الآباء كما تفعل ذلك في المناقب.