أما قوله :﴿بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن بَعْدِى﴾ فمعناه بئسما قمتم مقامي وكنتم خلفائي من بعدي وهذا الخطاب إنما يكون لعبدة العجل من السامري وأشياعه أو لوجوه بني إسرائيل، وهم : هارون عليه السلام والمؤمنون معه، ويدل عليه قوله :﴿اخلفنى فِى قَوْمِى﴾ [ الأعراف : ١٤٢ ] وعلى التقدير الأول يكون المعنى بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله، وعلى هذا التقدير الثاني، يكون المعنى بئسما خلفتموني حيث لم تمنعوا من عبادة غير الله تعالى، وههنا سؤالات :
السؤال الأول : أين ما يقتضيه "بئس" من الفاعل، والمخصوص بالذم.
والجواب : الفاعل مضمر يفسره قوله :﴿مَا خَلَفْتُمُونِى﴾ والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم.
السؤال الثاني : أي معنى لقوله :﴿مِن بَعْدِى﴾ بعد قوله :﴿خَلَفْتُمُونِى ﴾.
والجواب : معناه من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله تعالى، ونفي الشركاء عنه وإخلاص العبادة له أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد وأمنعهم من عبادة البقر حين قالوا :﴿اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ﴾ ومن حق الخلفاء أن يسيروا سيرة المستخلفين.
وأما قوله :﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبّكُمْ﴾ فمعنى العجلة التقدم بالشيء قبل وقته، ولذلك صارت مذمومة والسرعة غير مذمومة، لأن معناها عمل الشيء في أول أوقاته.
هكذا قاله الواحدي.
ولقائل أن يقول : لو كانت العجلة مذمومة، فلم قال موسى عليه السلام :﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لترضى﴾ [ طه : ٨٤ ] قال ابن عباس : المعنى ﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبّكُمْ﴾ يعني ميعاد ربكم فلم تصبروا له ؟ وقال الحسن : وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين، وذلك لأنهم قدروا أنه لما لم يأت على رأس الثلاثين ليلة، فقد مات.


الصفحة التالية
Icon