قال السدي : قال موسى يا رب كيف أرجع إلى بني إسرائيل وقد أهلكت خيارهم ولم يبق معي منهم واحد ؟ فماذا أقول لبني إسرائيل وكيف يأمنوني على أحد منهم بعد ذلك ؟ فأحياهم الله تعالى.
فمعنى قوله :﴿لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مّن قَبْلُ وإياى﴾ أن موسى عليه السلام خاف أن يتهمه بنو إسرائيل على السبعين إذا عاد إليهم ولم يصدقوا أنهم ماتوا، فقال لربه : لو شئت أهلكتنا قبل خروجنا للميقات، فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهموني.
والقول الثاني : أن تلك الرجفة ما كانت موتاً، ولكن القوم لما رأوا تلك الحالة المهيبة أخذتهم الرعدة ورجفوا حتى كادت تبين منهم مفاصلهم، وتنقصم ظهورهم، وخاف موسى عليه السلام الموت، فعند ذلك بكى ودعا فكشف الله عنهم تلك الرجفة.
أما قوله :﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهاء مِنَّا﴾ فقال أهل العلم : إنه لا يجوز أن يظن موسى عليه السلام أن الله تعالى يهلك قوماً بذنوب غيرهم، فيجب تأويل الآية، وفيه بحثان : الأول : أنه استفهام بمعنى الجحد، وأراد أنك لا تفعل ذلك.
كما تقول : أتهين من يخدمك ؟ أي لا تفعل ذلك.
الثاني : قال المبرد : هو استفهام استعطاف، أي لا تهلكنا.
وأما قوله :﴿إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ﴾ فقال الواحدي رحمه الله : الكناية في قوله :﴿هِىَ﴾ عائدة إلى الفتنة كما تقول : إن هو إلا زيد وإن هي إلا هند.
والمعنى : أن تلك الفتنة التي وقع فيها السفهاء لم تكن إلا فتنتك أضللت بها قوماً فافتتنوا، وعصمت قوماً عنها فثبتوا على الحق، ثم أكد بيان أن الكل من الله تعالى، فقال :﴿تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِى مَن تَشآءُ﴾ ثم قال الواحدي : وهذه الآية من الحجج الظاهرة على القدرية التي لا يبقى لهم معها عذر.