والأصل الثاني : إثبات أن إله العالم واحد منزه عن الشريك والضد والند، وإليه الإشارة بقوله :﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ وإنما افتقرنا في حسن التكليف وجواز بعثة الرسل إلى تقرير هذا الأصل، لأن بتقدير أن يكون للعالم إلهان، وأرسل أحد الإلهين نبياً إلى الخلق فلعل هذا الإنسان الذي يدعوه الرسول إلى عبادة هذا الإله ما كان مخلوقاً له، بل كان مخلوقاً للإله الثاني، وعلى هذا التقدير فإنه يجب على هذا الإنسان عبادة هذا الإله وطاعته، فكان بعثة الرسول إليه، وإيجاب الطاعة عليه ظلماً وباطلاً.
أما إذا ثبت أن الإله واحد، فحينئذ يكون جميع الخلق عبيداً له، ويكون تكليفه في الكل نافذاً وانقياد الكل لأوامره ونواهيه لازماً، فثبت أن ما لم يثبت كون الإله تعالى واحداً لم يكن إرسال الرسل وإنزال الكتب المشتملة على التكاليف جائزاً.
والأصل الثالث : إثبات أنه تعالى قادر على الحشر والنشر والبعث والقيامة، لأن بتقدير أن لا يثبت ذلك، كان الاشتغال بالطاعة والاحتراز عن المعصية عبثاً ولغواً، وإلى تقدير هذا الأصل الإشارة بقوله :﴿يُحْىِ وَيُمِيتُ﴾ لأنه لما أحيا أولاً، ثبت كونه قادراً على الإحياء ثانياً، فيكون قادراً على الإعادة والحشر والنشر، وعلى هذا التقدير يكون الإحياء الأول إنعاماً عظيماً، فلا يبعد منه تعالى أن يطالبه بالعبودية، ليكون قيامه بتلك الطاعة قائماً مقام الشكر عن الإحياء الأول، وأيضاً لما دل الإحياء الأول على قدرته على الإحياء الثاني، فحينئذ يكون قادراً على إيصال الجزاء إليه.
واعلم أنه لما ثبت القول بصحة هذه الأصول الثلاثة.