وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ أَيْ : وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى (أَيْضًا) جَمَاعَةٌ عَظِيمَةٌ يَهْدُونَ النَّاسَ بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى، وَيَعْدِلُونَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ إِذَا حَكَمُوا بَيْنَ النَّاسِ، لَا يَتَّبِعُونَ فِيهِ الْهَوَى، وَلَا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ وَالرِّشَى. فَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ كَانُوا فِي عَصْرِهِ وَبَعْدَ عَصْرِهِ حَتَّى بَعْدَ مَا كَانَ مِنْ ضَيَاعِ أَصْلِ التَّوْرَاةَ ثُمَّ وُجُودِ النُّسْخَةِ الْمُحَرَّفَةِ بَعْدَ السَّبْيِ، فَإِنَّ الْأُمَمَ الْعَظِيمَةَ لَا تَخْلُو مِنْ أَهْلِ
الْحَقِّ وَالْعَدْلِ. وَهَذَا مِنْ بَيَانِ الْقُرْآنِ لِلْحَقَائِقِ، وَعَدْلِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْأُمَمِ، كَقَوْلِهِ : وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا (٣ : ٧٥) وَقِيلَ فِي وَجْهِ التَّنَاسُبِ وَالِاتِّصَالِ : إِنَّهُ ذَكَرَ هَؤُلَاءِ مِنْ قَوْمِهِ فِي مُقَابِلِ مُتَّخِذِي الْعِجْلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا بَعْضَ قَوْمِهِ لَا كُلَّهُمْ، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى بُعْدٍ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ بُعْدِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ قِصَّةِ الْعِجْلِ، وَمَا قُلْنَاهُ أَظْهَرُ.


الصفحة التالية
Icon