فصل
قال الفخر :
﴿ وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩) ﴾
اعلم أنه تعالى لما وصف الرسول، وذكر أنه يجب على الخلق متابعته، ذكر أن من قوم موسى عليه السلام من اتبع الحق وهدى إليه، وبين أنهم جماعة، لأن لفظ الأمة ينبىء عن الكثرة، واختلفوا في أن هذه الأمة متى حصلت، وفي أي زمان كانت ؟ فقيل هم اليهود الذين كانوا في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام، وأسلموا مثل عبد الله بن سلام، وابن صوريا والاعتراض عليه بأنهم كانوا قليلين في العدد، ولفظ الأمة يقتضي الكثرة، يمكن الجواب عنه بأنه لما كانوا مختلفين في الدين، جاز إطلاق لفظ الأمة عليهم كما في قوله تعالى :﴿إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً﴾ [ النحل : ١٢٠ ] وقيل : إنهم قوم مشوا على الدين الحق الذي جاء به موسى ودعوا الناس إليه وصانوه عن التحريف والتبديل في زمن تفرق بني إسرائيل وإحداثهم البدع، ويجوز أن يكونوا أقاموا على ذلك إلى أن جاء المسيح فدخلوا في دينه، ويجوز أن يكونوا هلكوا قبل ذلك، وقال السدي وجماعة من المفسرين : إن بني إسرائيل لما كفروا وقتلوا الأنبياء، بقي سبط في جملة الإثني عشر فما صنعوا وسألوا الله أن ينقذهم منهم، ففتح الله لهم نفقاً في الأرض فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين ثم هؤلاء اختلفوا، منهم من قال : إنهم بقوا متمسكين بدين اليهودية إلى الآن ومنهم من قال إنهم الآن على دين محمد ﷺ يستقبلون الكعبة، وتركوا السبت وتمسكوا بالجمعة، لا يتظالمون ولا يتحاسدون ولا يصل إليهم منا أحد ولا إلينا منهم أحد.
وقال بعض المحققين : هذا القول ضعيف لأنه إما أن يقال : وصل إليهم خبر محمد ﷺ، أو ما وصل إليهم هذا الخبر.