وقد تقدم ذكر الوعظ عند قوله تعالى :﴿ فأعرض عنهم وعظْهم ﴾ في سورة النساء ( ٦٣ ) وعند قوله آنفاً ﴿ موعظة وتفصيلاً لكل شيء ﴾ في هذه السورة ( ١٤٥ ).
واللام في ﴿ لمَ تعظون ﴾ للتعليم، فالمستفهم عنه من نوع العلل، والاستفهام إنكاري في معنى النفي، فيدل على انتفاء جميع العلل التي من شأنها أن يوعظَ لتحصيلها، وذلك يفضي إلى اليأس من حصول إتعاظهم، والمخاطب بـ ﴿ تعظون ﴾ أمة أخرى.
ووصف القوم بأن الله مهلكهم : مبني على أنهم تحققتْ فيهم الحال التي أخبر الله بأنه يهلك أو يعذب من تحققتْ فيه، وقد أيقن القائلون بأنها قد تحققت فيهم، وأيقن المقول لهم بذلك حتى جاز أن يصفهم القائلون للمخاطبين بهذا الوصف الكاشف لهم بأنهم موصوفون بالمصير إلى أحد الوعيدين.
واسما الفاعل في قوله :﴿ مهلكهم أو معذبهم ﴾ مستعملان في معنى الاستقبال بقرينة المقام، وبقرينة التردد بين الإهلاك والعذاب، فإنها تؤذن بأن أحد الأمرين غير معين الحصول، لأنه مستقبل ولكن لا يخلو حالهم عن أحدهما.
وفصلت جملة ﴿ قالوا ﴾ لوقوعها في سياق المحاورة، كما تقدم غير مرة أي قال المخاطبون بِ ﴿ لمَ تعظون قوماً ﴾ الخ.
والمعذرة بفتح الميم وكسر الذال مصدر ميمي لفعل ( اعتذر ) على غير قياس، ومعنى اعتذر أظهر العذر بضم العين وسكون الذال والعذر السبب الذي تبطل به المؤاخذة بذنب أو تقصير، فهو بمنزلة الحجة التي يبديها المؤاخَذ بذنب ؛ ليظهر أنه بريء مما نسب إليه، أو متأول فيه، ويقال : عذَره إذا قبل عذره وتحقق براءته، ويعدّى فعل الاعتذار بإلى لما فيه من معنى الإنهاء والإبلاغ.
وارتفع ﴿ معذرة ﴾ على أنه خبر لمبتدإ محذوف دل عليه قول السائلين ﴿ لم تعظون ﴾ والتقديرُ موعظتنا معذرة منا إلى الله.
وبالرفع قرأه الجمهور، وقرأه حفص عن عاصم بالنصب على المفعول لأجله أي وعظناهم لأجل المعذرة.


الصفحة التالية
Icon