تقول :﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا ﴾ فقال :﴿ الذين يَنْهَوْنَ ﴾ ﴿ مَعْذِرَةً إلى رَبّكُم وَلَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾ فدخل الذين أصابوا السمك إلى المدينة، وأبى الآخرون أن يدخلوا معهم فغدا هؤلاء الذين أبوا أن يدخلوا المدينة.
فجعلوا ينادون من فيها فلم يجبهم أحد.
فقالوا : لعل الله خسف بهم، أو رموا من السماء بحجارة، فارفعوا رجلاً ينظر، فجعلوا رجلاً على سلم فأشرف عليهم، فإذا هم قردة تتعادى ولها أذناب قد غيّر الله تعالى صورهم بصنيعهم.
فصاح إلى القوم فإذا هم قد صاروا قردة، فكسروا الباب، ودخلوا منازلهم، فجعلوا لا يعرفون أنسابهم، ويقولون لهم : ألم ننهكم عن معصية الله تعالى ونوصيكم؟ فيشيرون برؤوسهم بلى ودموعهم تسيل على خدودهم.
فأخبر الله تعالى أنه أنجى الذين ينهون عن السوء، وأخذ الذين ظلموا.
قوله :﴿ أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ﴾.
ولا يدرى ما صنع بالذين لم ينهوا ولم يأخذوا.
وقال عكرمة : بل أهلكهم الله لأنه أنجى الذين ينهون عن السوء.
وأهلك الفريقين الآخرين.
فوهب له ابن عباس بردة بهذا الكلام.
وروي في رواية أُخرى أنهم كانوا يأخذون الحظائر والحياض بجنب البحر، ويسيلون الماء فيها يوم السبت من البحر حتى يدخل فيها السمك، ويأخذونه في يوم الأحد فقالوا : إنا نأخذه في يوم الأحد.
فلما لم يعذبوا استحلوا الأخذ في يوم السبت من البحر وقالوا : إنما حرم الله على أبنائنا ولم يحرم علينا فنهاهم الصلحاء فلم يمتنعوا، فضربوا حائطاً بينهم، وصارت الواعظة في ناحية، والذين استحلوا في ناحية والحائط بين الفريقين.
فأصبحوا في يوم من الأيام ولم يفتح الباب الذي بينهما، فارتقى واحد منهم الحائط، فإذا القوم قد مسخوا إلى قردة.